- روى الطبراني مرفوعا : [ [ سيظهر قوم يقرءون القرآن يقولون من أقرأ منا ؟ من أعلم منا ؟ من أفقه منا ؟ أولئك هم وقود النار ] ] . وفي رواية له أيضا مرفوعا : [ [ من قال إني عالم فهو جاهل ] ] . والله تعالى أعلم .
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله A ) أن لا ندعي العلم إلا لغرض شرعي ولا نقول أبدا نحن من أعلم الناس لا بلساننا ولا بقلبنا ومن أين لنا ذلك ونحن نعلم أن في بلدنا من هو أعلم منا فضلا عن الإقليم الذي نحن فيه .
ثم إذا جرى القدر علينا بدعوى العلم ولو في وقت غيظ فالواجب علينا أن نبادر إلى التوبة والاستغفار على الفور خوفا من نزول المقت علينا من الله D وهذه مصيبة لا يبتلى [ بها ؟ ؟ ] أحد وهو عاقل أبدا فإنه ما من علم طالع العبد فيه وأحاط ببعضه علما إلا وسبقه إليه وإلى وضعه علماء ربما لا يصلح أن يكون هو من طلبتهم .
وقد ادعى شخص مرة العلم وقال : والله لا أعلم أن أحدا من أبي بكر الصديق إلى عصرنا هذا أعلم مني في علم من العلوم فقام إليه شاب صغير لا لحية له فقال هل أنت أعلم من الإمام الشافعي ؟ هل أنت أعلم من سيبويه ؟ هل أنت أعلم من أئمة الأصول ؟ هل أنت أعلم من علماء المعاني والبيان ؟ هل أنت أعلم من أئمة التفسير ؟ هل أنت هل أنت وهكذا فما درى المدعى ما يقول فافتضح في المجلس .
وسمعت شيخنا شيخ الإسلام زكريا C يقول : بلغنا أن محمد بن جرير الطبري ألف تفسيرا ألف مجلدة ضخمة وكان محفوظه من متون العلوم نحو حمل مائة بعير .
وكان ابن شاهين يقول : كتبت من المؤلفات ما لا أحصي عده وحسبت الحبر فبلغ ألفين من القناطير .
وكان بعضهم يقول : لو كتبت ما في صدري ما حمله مركب ولم يزل في كل عصر علماء حاملون العلم لا يجيء العلماء المشهورون من طلبتهم .
وسمعت شخصا ضعيف الحال مثلي يقول : والله العظيم لا أعلم الآن في مصر كلها أعلم مني ولو أنني علمت لمشيت واستفدت منه وهذا هو مجنون وأقل جزاؤه أنه حرم بركة علماء زمانه ومات بجهله .
وقد رأيت شخصا يدعى القطبية يقول : أطلعني الله تعالى على دائرة الأولياء كلهم فلم أر فلانا منهم وأشار إلى شخص من صالحي عصره فقال له شخص في المجلس إن كنت صادقا فقل لي كم في لحيتك من شعرة ؟ فما درى ما يقول وخجل بين الناس وإذا كان الله تعالى نهى العلماء عن دعوى العلم مع علمهم فكيف بمن يجهل ويدعي العلم مع الجهل .
وحكى لي شيخنا شيخ الإسلام زكريا C قال : اجتمع يوما في مجلس الحسن البصري Bه خمسمائة محبرة تكتب عنه العلم فحصل له بعض عجب في نفسه فقال لا تسألوني في هذا المجلس عن علم من العلوم إلا أخبرتكم به فقام إليه صبي أمرد ضعيف يتوكأ على عصا فقال يا سيدي قد سمعنا قولك فهل للناموسة كرش أو مصران فتغير لون الحسن واصفر ثم حمل من ذلك المجلس مغشيا عليه فمات بعد ثلاثة أيام وذكر الشيخ الكامل محي الدين بن العربي Bه عن نفسه أنه كان راكبا مرة في سفينة في البحر المحيط فهاجت الريح فقال اسكن يا بحر فإن عليك بحرا من العلم فطلعت له هائشة من البحر وقالت له : قد سمعنا قولك فما تقول فيما إذا مسخ زوج المرأة هل تعتد عدة الأحياء أم الأموات ؟ فما درى الشيخ ما يقول : فقالت له الهائشة تجعلني شيخة لك وأنا أعلمك الجواب ؟ فقال : نعم فقالت : إن مسخ حيوانا اعتدت عدة الأحياء وإن مسخ جمادا اعتدت عدة الأموات . ذكر هذه الحكاية في ترجمة مشايخه من الجن والإنس والملائكة والحيوانات وبلغنا أنه من ذلك الوقت ما سمع أحد منه رائحة دعوى العلم .
فيحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يأخذ بيده ويدخله حضرات العلوم والخزائن الإلهية حتى يرى أن جميع ما علمه هؤلاء لا يجيء نقطة من البحر المحيط .
وقد استخرج أخي الشيخ أفضل الدين من سورة الفاتحة مائتي ألف علم ونيفا وأربعين ألف علم وذكرنا منها في كتابنا المسمى بتنبيه الأغبياء على قطرة من بحر علوم الأولياء ثلاثة آلاف علم لا يتعقلها الإنسان إلا إن رأى أسماءها إذ لم تخطر له قط على بال .
فانظر يا أخي فيما علمته من الفقه والنحو والأصول وغيرها تجده لا يجيء قطرة من البحر المحيط بالنسبة لعلوم أهل الله D .
وقد نقل ابن السبكي في الطبقات الوسطى عن أبي القاسم الجنيد Bه أنه كان يقول : ما أنزل الله من السماء علما وجعل للخلق إليه سبيلا إلا وجعل لي فيه حظا ونصيبا .
ثم من فوائد السلوك على يد شيخ أن السالك يصل إلى حضرة يرى جميع صفاته الظاهرة والباطنة عارية عنده وأمانة أودعها الحق عنده فلا يسوغ له أن يدعيها أو شيئا منها لنفسه أبدا حياء من الله تعالى فالناس يرونه عالما في عيونهم وهو يرى نفسه جاهلا وهناك يأمن من أن يدعى لنفسه حالا أو مقالا سرا أو جهرا ومن لم يسلك كما ذكرنا فمن لازمه الحجاب غالبا والدعاوي المضلة عن سواء السبيل حتى أن بعضهم قال أنا الله فكفر نسأل الله اللطف .
فاسلك يا أخي طريق الأدب مع الله على يد شيخ ولو كنت من أعلم الناس عند نفسك فإنه لا بد أن يظهر لك جهلك إذا سلكت الطريق والله يتولى هداك . وفي قصة موسى والخضر عليهما الصلاة والسلام كفاية لكل عاقل وذلك أن الخضر قال لموسى عليه السلام أنا أعلم أهل الأرض يا موسى ما علمي وعلمك في علم الله إلا كما نقر هذا العصفور من هذا البحر والمراد بعلم الله معلومه لقوله تعالى : { وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } .
فلو كان المراد به العلم القائم بالذات لم يصح وصفه بالقلة فافهم ومعلوم الله هو العلم الذي يبثه في قلوب عباده وهو غير علمه الأزلي الخاص به لأن علم الخلق وإن كان من جملة علم الله ففيه رائحة الحدوث من حيث إضافته إلى الخلق فافهم وإياك والغلط وإنما أولنا لك يا أخي الحديث لأن الخضر عليه السلام عالم بالله ومعلوم عنده أن علم الله تعالى لا يوصف بنقص ما ولا بد لمنقار العصفور من بلل يكون عليه فافهم فلو جعلنا المراد بعلم الله القائم بالذات لما صح وصفه بالنقص على قدر ما أخذ العصفور ولا قائل بذلك ويصح أن يريد الخضر الإشارة للقلة على وجه ضرب المثل ولو أنه عبر بما تأخذه الناموسة على فمها من البحر لساغ له ذلك أيضا لأنه أقل مما يأخذه منقار العصفور فاعلم ذلك