- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين وفي رواية ثلاث ليال إلا ووصيته مكتوبة عنده وكان ابن عمر يقول : ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله A يقول ذلك إلا وعندي وصيتي مكتوبة . قلت : ومعنى قوله ما حق امرئ مسلم الخ . أي ليس له أن يبيت ليلتين أو ثلاثا إلا ووصيته مكتوبة بما له وبما عليه وهذا الأمر قليل فاعله فيستحي أصحاب المريض أن يقولوا له أوص خوفا عليه من الفزع وليس على بال المريض موت كما جرب ذلك وقالوا إن المريض يخاف الموت في كل ضعفة إلا ضعفة الموت فيطول أمله فيها والنصح من الإيمان وشيء أمر به الشارع الذي هو أرحم بالإنسان من أمه لا عذر في تركه لأحد مراعاة لخاطره وكم اشتغلت ذمم أموات بتركهم الوصية وحبسوا عن مقامهم الكريم حتى توفى عنهم ديونهم وربما شحت الورثة بذلك المال الذي على ميتهم فلم يوفوا عنه فيصير محبوسا في البرزخ إلى يوم القيامة فالله ورسوله أحق بالطاعة من ذلك المريض الذي يخاف عليه الموت . والله تعالى أعلم . وروى ابن ماجه مرفوعا : [ [ من مات على وصية مات على سبيل الله وسنة ومن مات على تقى وشهادة مات مغفورا له ومن مات على غير وصية فنفسه محبوسة بدينه حتى يوفى عنه لتقصيره وإن كان له مال ] ] . وروى أبو يعلي بإسناد حسن عن أنس قال : كنا عند النبي A فجاء رجل فقال : يا رسول الله مات فلان قال : أليس كان معنا آنفا قالوا بلى يا رسول الله قال : سبحان الله كأنها أخذة غضب المحروم من حرم وصية . وروى الطبراني عن ابن عباس قال : [ دترك الوصية عار في الدنيا ونار وشنار في الآخرة ] ] . والله تعالى أعلم .
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله A ) إذا كتبنا وصية في المرض أن نعدل فيها ولا نضار بأحد من الورثة .
سمعت سيدي عليا الخواص C يقول : لا ينبغي لأحد أن يوصي بدفنه في مكان معين إلا إن أعطاه الله تعالى علم ذلك من طريق كشفه الصحيح الذي لا يدخله محو أن ذلك المكان الذي عينه هو الذي ذر على سرته منه يوم ولد وعرف الملك الذي ذره عليه .
وسمعت أخي أفضل الدين C يقول : أعرف موضع طينتي التي عجنت مع طينة أبي آدم عليه السلام ولم تزل روحي تشاهد ذلك المكان إلى وقتي هذا فقلت له سألتك بالله أن تعلمني بمحلها . فقال على يمين منزل الحاج ببدر قريبا من مسجد الغمام . فلما حضرته الوفاة سافر إلى هناك فدفن بها فكان الأمر كما قال وأخبرتني والدته بعد موته أنه قال لها ليلة النصف من شعبان تلك السنة التي مات فيها : إن ورقتي الليلة نزلت بموتي ودفني في بدر . قالت : فقلت إن ولدي ميت تلك السنة لأني ما عهدت عليه قط كذبا فسافر تلك السنة إلى مكة وهو مريض فصار الناس يقولون له حج مثلك لا يجب ولا يستحب بالإجماع فيقول ما أنا مسافر للحج وإنما أسافر لقبري فمرض في الذهاب ومات قبل بدر بمرحلة فحمل إلى بدر Bه فمثل هذا هو الذي يوصي بالدفن بمكان معين .
وقد قال شخص لسيدي علي الخواص مرة : دستور نعمل لكم مدفنا فيه ؟ فقال نحن ليس لنا مع الله اختيار في حال حياتنا فكيف يكون لنا معه اختيار بعد موتنا . ولما مات وخرجنا مع جنازته للصلاة عليه في جامع الحاكم بمصر وكانت السماء تمطر كأفواه القرب حال الصلاة عليه قلت لأخي أفضل الدين : أي مكان تقولون يدفن ؟ فقال في زاوية الشيخ بركات خارج باب الفتوح فعارض في دفنه هناك شرف الدين الصغير أكبر جماعة الديوان وقال لا بد من دفنه في تربتي بالقرب من الإمام الشافعي وساعده في ذلك جماعات كثيرة وأخي أفضل الدين يقول لي : لا تتكلم لو كان معهم جن سليمان ما قدر أحد ينقله إلى القرافة فكان الأمر كما قال فخطف التابوت جماعة من الزعر والشطار وخرجوا به نحو باب الفتوح Bه .
وكان سيدي علي وأخي أفضل الدين يكرهان بناء القبة على القبر ووضع التابوت الخشب والستر عليه ونحو ذلك لآحاد الناس ويقولون هذا لا يليق إلا بالأنبياء ومن داناهم من الأولياء الأكابر وأما نحن فمقامنا الدفن تحت نعال الناس في الشوارع .
ورأى أخي أفضل الدين مجذوبا طلع لنائب مصر وقال له ابن لي زاوية وقبة فقال قد طاب الموت لكل عاقل إذا كان المجاذيب صاروا في هذا الزمان الخبيث يحبون الشهرة ويطلبون من الظلمة أن يعمروا لهم زاوية مع كونهم معدودين من الأولياء فكيف بأمثالنا الذين الفتنة إليهم أقرب من شراك نعلهم .
وكان سيدي محمد بن عنان وسيدي أبو العباس الغمري وسيدي محمد المنير وغيرهم Bهم يعتبون على الفقير إذا بني له ضريحا أو عمل له مقصورة في حال حياته ويقولون هذا كله من بقايا شهوات النفوس .
وأما الوصية بدعاء الناس إلى صلاة الجنازة فلا بأس للعبد أن يوصي إخوانه أن يدعوا إخوانهم في جنازته بقصد تكثير الشافعين لكثرة ذنوبه لا لعلة أخرى نفسانية وإن كان مصلى الجنائز يضيق في العادة عن جنازة مثله فليوص بالصلاة عليه في محل واسع بقصد تخفيف التعب والزحمة على الناس لا لعلة أخرى فاعلم ذلك واعمل عليه والله يتولى هداك