( تابع . . . 1 ) : - روى ابن ماجه مرفوعا : بإسناد حسنه بعضهم قال الترمذي وفيه بعد : أن .
ثم طائفة لا يؤمنون بقول شيخهم لهم إن فعلتم كذا وقع لكم من العقوبة كذا إلا إن وقع ومنهم من يفدي شيخه بنفسه في المهالك كما فعل سعد بن أبي وقاص ومنهم من لا يقدر على ذلك ومنهم من إذا ذكرت عيال شيخه بسوء يكاد يتميز غيظا كما وقع لأكابر الصحابة في قصة عائشة ومنهم من لا يتميز بل خاض مع الخائضين ومنهم من يمتثل أمر شيخه في السفر في مصالح العباد مثل ما كان أكابر الصحابة يفعلون ومنهم من يكره ذلك ويؤثر الدعة والراحة كما وقع لمن تخلف عن غزوة تبوك ومنهم من يحب شيخه أكثر من أهله وماله وولده ومنهم من يؤثر ماله وولده وأهله في المحبة على شيخه فلو قال له أخرج لفلان عن دينار وإلا هجرتك ومنعتك من مجالستي لاختار عدم دفع الدينار على القرب من شيخه ومنهم من يخاف على تغير خاطر شيخه ويعتقد أن الحق تعالى يغضب لغضبه ومنهم من يؤذي شيخه وولده وأصحابه وعياله ولا عليه من تغيير خاطره ومنهم من يمتثل أمر شيخه فيما إذا قال له أعط أخاك نصف مالك وقاسمه كما وقع للمهاجرين مع الأنصار ومنهم من لا يمتثل ولا يسمح لأخيه بدرهم ومنهم من يمتثل أمر شيخه إذا أمره بأن يؤثر أخاه على نفسه في وظيفة أو بيت أو خلوة أو مال ومنهم من لا يمتثل ذلك ومنهم من يجل مقام شيخه عن أن يتزوج له مطلقة في حياته أو بعد حياته ومنهم من يتزوج مطلقة شيخه في حياته ولولا قول الله تعالى : { ولا تنكحوا أزواجه من بعده أبدا } . لربما كان وقع في ذلك بعض الناس .
ومنهم من إذا وجد كيمان الذهب لا يأخذ منه إلا قوت يومه فقط ومنهم من لا يقنعه إلا أن ينقله كله ومنهم من قصده بجمع الدنيا الطمع وشره النفس ومنهم من قصده بذلك إظهار الفاقة كما وقع لأيوب E لما أمطرت عليه السماء الذهب وصار يحثو في ثوبه ويقول لا غنى لي عن بركة ربي ومنهم من يرى الدنيا بعين الاحتقار فكيمان الذهب عنده كالبعرة ومنهم من يراها بعين التعظيم تبعا لمراد الحق تعالى في تمييزها في قلوب عباده على التراب ومنهم من إذا قيل له واظب على صلاة الجماعة في المسجد يتعلل بالنوم ولو أنه علم أن هناك تفرقة ذهب لأتى المسجد ولم يتعلل بذلك كما وقع لبعض الأنصار حين جاء أبو عبيدة بمال من البحرين وحضر من لم يكن عادته الحضور في صلاة الصبح ولما تخلف جماعة عن صلاة العشاء قال النبي A : لو أن أحدهم علم أن في المسجد عرقا سمينا لحضر .
ومنهم من يحضر لصلاة الجمعة قبل الناس كأصحاب الصفة ومنهم من لا يأتي إلا والخطيب فوق المنبر أو في الركعة الأولى أو الثانية أو لا يأتي حتى تفوته الجمعة ومنهم من يحضر المسجد قبل الناس فيلغو ويلعب ومنهم من يحضر في خشوع وعبادة حتى ينصرف ومنهم من يستأذن شيخه في كل فعل من سفر أو تزويج أو بناء دار أو زرع أو نحو ذلك ومنهم من لا يستأذنه في ذلك إما حياء منه أو استهانة به وقد رأى A أثر صفرة على عبدالرحمن بن عوف فقال : مهيم ؟ فقال : تزوجت . الحديث وكان ذلك من عبدالرحمن حياء من رسول الله A لا استهانة بلا شك ومنهم من كان يتكرم على جميع أصحابه بكل ما دخل في يده ولا يبقى لنفسه شيئا كمعاذ بن جبل وأبي الدرداء وغيرهما كان يقول بتحريم الادخار ومنهم من كان يتكرم بالبعض ويمسك البعض ومنهم من لا يطعم أحدا شيئا بل يشح على نفسه أن يطعمها ومنهم من كان يسمح لصاحبه بجميع ماله كأبي بكر Bه ومنهم من كان يسمح لصاحبه بنصف ماله كعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ومنهم من كان النبي A يداريه كمخرمة ومنهم من كان الناس منه في أمان كعثمان بن عفان Bه وأبي سعيد الخدري ومنهم من كان ينفق ولا يخشى من الله إقلالا كبلال ومنهم من كان يخرج ماله تكلفا ككعب بن مالك فقال له النبي A : أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك .
ومنهم من كان يرضى بقضاء النبي A ولا يختار خلاف ما اختاره له كالعشرة المشهود لهم بالجنة ومنهم من لا يرضى بقضائه ويختار خلاف ما اختار النبي A كما في قصة أسامة بن زيد حين نقم على ولايته بعض الناس وكما في قول بعضهم هذه قسمة ما أريد بها وجه الله وقول بعضهم إن كان ابن عمتك في حديث : اسق يا زبير .
ومنهم من كان يغضب إذا فرق النبي A مالا ونسيه كمخرمة ومنهم من لا يغضب والنبي منه في أمان ولذلك كان النبي A يداري من نسيه في العطاء بقوله : [ [ إن الدنيا حلوة خضرة وإني لأعطي الرجل أتألفه والذي أمنع أحب إلى من الذي أعطي ] ] .
ومنهم من كان يهاب النبي A إذا رآه ويصير يرعد من هيبته فيقول له رسول الله A : [ [ هون عليك يا أخي فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد ] ] .
ومنهم من لا يهابه ولا يرعد ومنهم من كان مطهرا من جميع المعاصي كالعشرة المشهود لهم بالجنة ومنهم من كان يقع في الكبائر كماعز ونعيمان فكان نعيمان كل قليل يأتون به النبي A وهو سكران فيحده وكان نعيمان مضحاكا كان يضحك النبي A وأصحابه . ومن جملة ما وقع لنعيمان أنه رأى رجلا أعمى يقول من يقودني إلى البزار فأخذه نعيمان وأجلسه في محراب المسجد فشمر ثيابه للجلوس فصاح الناس به إنك في المسجد فقال الأعمى لئن وجدت نعيمان لأضربنه بعصاي فسمع نعيمان فجاء إليه وقال هل لك فيمن يدلك على نعيمان فقاده إلى عثمان بن عفان وهو ساجد فقال هذا هو فصار الأعمى يضرب عثمان Bه فصاح الناس بالأعمى إنك تضرب أمير المؤمنين وله وقائع كثيرة Bه .
ومنهم من كان يؤذي أكابر أصحاب رسول الله A ولا يكرمهم لأجله A كما وقع لأبي بكر حتى خطب النبي A وقال هل أنتم تاركوا لي صاحبي . وحتى أحوجوا النبي A إلى بيان مرتبته بقوله : سدوا عني كل خوخة في المسجد إلا خوخة أبي بكر .
ومنهم من كل يتحمل الأذى من جميع أصحاب النبي A ولا يكرههم لأجله إكراما لرسول الله A ولو فعلوا معه من الأذى ما فعلوا ومنهم من كان يؤذي جاره كما يدل عليه قصة من شكا إلى رسول الله A أن جاره كان يؤذيه وقال له النبي A : اطرح متاعك على الطريق وكل من مر عليك وقال ما هذا ؟ فقل له جاري يؤذيني .
ومنهم من كان يجالس النبي A لأجل العلم والأدب بشرط أن يملأ له A بطنه كأبي هريرة وذلك لئلا يصير له تلفت إلى غيره A وينقطع خاطر مفارقته لأجل الجوع ومنهم من كان يجالس النبي A لأجل العلم والأدب ولا يشرك معه علة من العلل ومنهم من كان يشح بإخراج الزكاة كثعلبة ومنهم من كان يسمح بأطايب أمواله للفقراء ومنهم من كان كثير المال كعبدالرحمن بن عوف ومنهم من كان لا يملك عشاء ليلة كما في قصة من وقع على زوجته في رمضان ومنهم من كان يعجب بملبسه كالذي خسف به في زقاق أبي لهب بمكة ومنهم من كان لا يعجب بشيء من ملبسه ولا غيره كأبي بكر Bه وغيره ومنهم من كان يظهر الغنى وليس في بيته شيء يأكله ومنهم من يكون عنده الدنيا وهو يظهر الفقر ويأخذ من الزكوات والصدقات كالذي وجدوا في حجزة إزاره بعد موته ثلاثة دنانير أو دينارين فقال النبي A : كيات أو كيتان من نار .
ومن النساء من كانت تحب النبي A وترى الفضل له إذا خطبها لتكون معدودة من أزواجه في الجنة ومنهن من كانت تكره ذلك وتستعيذ بالله منه كابنة الجون ومنهن من كانت تستحي من رسول الله A إذا جالسته وتصير ترتعد من هيبته ومنهن من كانت لا تهابه ولا تستحي منه كهند فإن النبي A لما بايع النساء وقال : ولا تقتلن أولادكن . فقالت له هند نحن ربيناهم صغارا فقتلتهم أنت كبارا فسكت A ولم يتم المبايعة ومنهن من تقلقلت لما رأت معيشة النبي A ضاقت وطلبت الفراق ومنهن من اختارت المقام معه A والصبر على ذلك كعائشة Bها .
ومنهن من كانت كثيرة الغيرة كعائشة حتى أنها رأت سودة وهي ذاهبة بإناء فيه طعام إلى النبي A فقامت لها وكسرت الإناء وساح الطعام على الأرض فقام النبي A وضم الطعام من الأرض في الإناء وقال : غارت أمكم .
ومن خدامه من كانت لا تجيبه إذا ناداها فيقول : والذي نفسي بيده لولا خوف القصاص لأوجعتك بهذا السواك .
ومنهن من كانت تعتني بكل شيء سمعته من النبي A كعائشة Bها وبريرة ومنهن من لم ترو عنه ولا حديثا .
هذا ما حضرني الآن من الشواهد التي تشهد لانقسام أصحاب كل داع إلى الله تعالى كما انقسم من دعاهم رسول الله A ومن طلب زيادة على ذلك فليتتبع أحوال الأمم السابقة مع أنبيائها فإن تلك الأقسام لم تزل في أصحاب جميع الدعاة إلى الله تعالى .
واعلم من جميع ما قررناه أن من طلب من المشايخ أن يكون جميع أصحابه مستقيمين متجردين عن الدنيا ومتأدبين معه لا اعتراض لهم عليه ولا اختيار لهم معه أو يشاورنه على جميع أمورهم كما شرط القوم ذلك في حق المريدين الصادقين فهو أعمى البصيرة وإنما وظيفة جميع الدعاة إلى الله تعالى أن يبلغوا الآداب الشرعية إلى قومهم لا غير فهم مأجورون على كل حال سواء امتثل الخلق أمرهم أو لم يمتثلوا وقد أرسل النبي A إلى الناس كافة فأقر كل من كانت له حرفة عل حرفته ولم يأمر أحدا منهم بالخروج عما أقامه الله فيه من الحرف بل سلكهم وأرشدهم وهم في حرفهم .
فوطن يا أخي نفسك أن يقع من أصحابك جميع ما تقدم في حق أصحاب رسول الله A من الأدب معه ومن ضده في حقه وحق أصحابه وذلك إما ليستن بهم من بعدهم وهو اللائق بمقامهم وإما أن يكون ما وقع من سوء الأدب في بعض الأوقات بيانا لعدم العصمة ثم يتوبون على الفور فكيف يطلب مشايخ النصف الثاني من القرن العاشر من تلامذتهم أن يكونوا معهم على الأدب في جميع أحوالهم هذا شيء كالمحال فإن شيئا لم يصح لرسول الله A من أصحابه كيف يصح لأحد بعدهم ؟ مع أنهم خير القرون ومع شهودهم علو مقامه A وما كان عليه من الزهد والعبادة وكثرة المعجزات ومع كونه أرحم بالمؤمنين من أنفسهم فلا تطلب يا سيدي الشيخ من تلامذة القرن العاشر أن يكونوا في الأدب فوق أدب الصحابة هذا مما لا يكون . { والله غفور رحيم } .
ثم لا يخفى عليك يا أخي أن الزهد في الدنيا لا يكون إلا فيما هو حلال خالص . وأما ترك ما فيه شبهة فلا يسمى زهدا وإنما هو تورع فعلى هذا لا تجد الآن زاهدا إلا أن يكون في علم الله لا نعلمه نحن لأن غالب ما بأيدي الخلائق الآن من الأموال للشرع عليه اعتراض وما بقي إلا أن يأكل الإنسان أكل المضطر ويلبس لبس المضطر وكل من رخص لنفسه هنا فربما شدد الله عليه الحساب يوم القيامة وبالعكس وقد صار في أفواه غالب الناس هات حرام وبس وهذا لا ينبغي لمؤمن أن يتلفظ به لأنه كالاستهزاء بمناقشة الحق تعالى له يوم القيامة .
وكذلك لا يخفى عليك يا أخي أن من الشبهات ما يأخذه شيخ الزاوية باسم الفقراء ويختلس منه شيئا لنفسه فهو ولو كان حلالا من أصله فقد صار شبهة من حيث النصب .
وقد أخبرني من أثق به أن شيخا له سبحة وسجادة أعطاه الباشات ألف نصف على اسم الفقراء المقيمين بزاويته فلم يعط فقيرا منها نصفا وقال هذه شبهات وقد انشرح صدري أن أحمل عنكم حسابها فاشترى له بها صوفا وتزوج بالباقي فنفرت منه فقراء الزاوية ولم يبق لهم فيه عقيدة .
فإياك يا أخي أن تفعل مثل ذلك إذا عملت شيخا وفي قصة سلمان الفارسي أنه لما قرب ظهور رسالة نبينا محمد A صار سلمان يسيح في البلاد لعله يعثر عليه فدل على راهب فذهب إليه فوجده صائم الدهر لا يأكل شيئا من الشهوات فخدمه حتى مات فرأوا وراءه ثلاثة فما قام فيها نحو نصف إردب فضة فرجمه الرهبان ولم يصلوا عليه فسأل عمن يدله على الله تعالى فدل على راهب آخر على قدم عظيم في الزهد والعبادة فخدمه فلما مات وجدوا وراءه مالا جزيلا فرجمه الرهبان ولم يصلوا عليه فدل على ثالث فذهب إليه فوقع له مثل الأولين فرجموه ولم يصلوا عليه فدل على النبي A إلى أن كان ما كان . وقد بلغنا أن عيسى E كان يزهد جميع أصحابه في الدنيا ثم يقول : من بنى منكم دارا فكأنما بنى على موج البحر . قال الشيخ عبدالقادر الجبلي : وما أحسن تمثيله الدنيا بموج البحر ثم ينشد : .
أتبني بناء الخالدين وإنما ... مقامك فيها لو عقلت قليل .
لقد كان في ظل الأراك كفاية ... لمن كل يوم يقتضيه رحيل .
ألا إن قطاع الفيافي إلى الحمى ... كثير وأما الواصلون قليل .
يعني فكما أن البناء لا يثبت على الموج فهكذا لا يثبت في الدنيا لأنها زائلة متحركة كتحرك الموج على الماء . وفي باب الطهارة من الفتوحات المكية ما نصه : أجمع أهل كل ملة ونحلة على أن الزهد في الدنيا مطلوب وكذلك إخراج ما مع الإنسان منها مطلوب وقالوا إن فراغ اليد من الدنيا أحب لكل عاقل خوفا على النفس من الفتنة التي حذرنا الله منها بقوله : { إنما أموالكم وأولادكم فتنة } . ومن قواعد الرهبان أن لا يدخرون قوتا لغد ولا يمسكوا فضة ولا ذهبا . ورأيت شخصا قال لراهب انظر لي هذا الدينار هو من ضرب أي الملوك ؟ فلم يرض وقال النظر إلى الدنيا منهي عنه عندنا . ورأيت الرهبان مرة وهم يسحبون شخصا ويخرجونه من الكنيسة ويقولون له أتلفت علينا الرهبان فسألت عن ذلك فقالوا رأوا على عمامته نصفا مربوطا فقلت لهم ربط الدنيا عندكم مذموم ؟ فقالوا وعند نبيكم . فإذا كان هذا حال الرهبان ففقراء المسلمين المقيمون في الزوايا أولى بتركهم الدنيا . { والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم }