- روى ابن ماجه بإسناد صحيح والحاكم وقال صحيح على شرطهما وابن حبان في صحيحه مرفوعا : استقيموا ولن تحصوا أعمالكم واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ عليها إلا مؤمن .
قلت أي مؤمن بأنه في حضرة الله على الدوام إذ الإيمان يتخصص في كل مكان بحسبه فإذا جاء عقب قول من ينكر البعث مثلا لا يؤمنون فمعناه لا يؤمنون بالبعث وإذا جاء ذلك عقب قول من ينكر الحساب فمعناه لا يؤمنون بيوم الحساب وهكذا القول في نحو حديث : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن .
أي بأن الله يراه فلو آمن بأن الله يراه على الكشف والشهود حال الزنا ما قدر على الزنا فافهم فلا يلزم من نفي الإيمان بشيء من التكاليف مثلا نفي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وغير ذلك ويحتمل أن يكون المراد نفي سائر صفات الإيمان لكون الإيمان كله كالجزء الواحد إذا انتفى بعضه انتفى كله كما قالوا في الإيمان بالرسل أنه إذا لم يؤمن ببعض الرسل لا يصح له إيمان . والله تعالى أعلم .
وروى الطبراني مرفوعا : حافظوا على الوضوء وتحفظوا من الأرض فإنها أمكم وإنها ليس أحد عاملا عليها خيرا أو شرا إلا وهي مخبرة به .
وروى الإمام أحمد بإسناد حسن مرفوعا : لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء . يعني ولو كانوا غير محدثين .
وروى ابن خزيمة في صحيحه أن رسول الله A قال : [ [ يا بلال بم سبقتني إلى الجنة ؟ إني دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتك أمامي ] ] فقال بلال يا رسول الله : [ [ ما أذنت قط إلا صليت ركعتين وما أصابني حدث قط إلا توضأت عنده ] ] فقال رسول الله A بهذا بلغت . ومعنى خشخشتك أمامي أي رأيتك مطرقا بين يدي كالمطرقين بين يدي ملوك الدنيا قاله الشيخ محي الدين في الفتوحات المكية . والله تعالى أعلم .
وروى أبو داود والترمذي وابن ماجه مرفوعا : من توضأ على طهر كتب الله له عشر حسنات .
قال الحافظ عبدالعظيم C وأما الحديث الذي يروى مرفوعا : الوضوء على الوضوء نور على نور . فلا يحضرني له أصل من حديث النبي A ولعله من كلام بعض السلف . والله تعالى أعلم .
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله A ) أن نحافظ على دوام الوضوء وعلى تجديده لنكون مستعدين لقبول الواردات الإلهية فإن صدقته تعالى على عباده لا تنقطع ليلا ولا نهارا ومن كشف الله تعالى عن بصيرته وجد نفسه جالسا بين يدي الله D على الدوام وهذا أمر يتأكد فعله على أكابر العلماء والصالحين لأن معظم الواردات الإلهية في العلوم الظاهرة والباطنة تنزل عليهم وقد أغفل ذلك كثير منهم .
وممن رأيته على هذا القدم من أولياء العصر الشيخ محمد بن عنان والشيخ داود والشيخ محمد العدل ومن أكابر الدولة بمصر الأمير محي الدين بن أبي الأصبغ ووالده الأمير يوسف ومن المباشرين عبدالقادر الزرمكي ومن التجار جلال الدين بن فاقوسة ومن العلماء أخي العبد الصالح شمس الدين الشربيني وصاحبه الشيخ صالح السملي ومن جماعة الوالي الحاج أحمد القواس حتى إنه سمع شخصا نائما أخرج ريحا في المسجد فامتنع من النوم في المسجد خوفا أن يخرج منه ريح في النوم فإذا كان هذا يقع من الأمراء وغلمان الوالي فالعلماء والصالحون أولى بالمواظبة على الطهارة .
ورأيت سيدي محمد بن عنان إذا كان في الخلاء وأبطأ عنه ماء الوضوء ضرب بيده على الحائط وتيمم حتى لا يمكث بلا طهارة وإن لم تجز له الصلاة بذلك التيمم .
وقد رأيت الشيخ تاج الدين الذاكر المدفون بزاويته في حارة حمام الدود بمصر كلما يصلي بوضوئه صلاة ما يجدد الوضوء وكان لا يدخل الخلاء إلا من الجمعة إلى الجمعة وبقية الأسبوع كله على طهارة ليلا ونهارا مع أكله وشربه على حكم عادة الناس فسألت أصحابه عن ذلك فقالوا : كل شيء نزل جوفه احترق من شدة الحال .
وكان سيدي محمد بن عنان يقلل الأكل جدا حتى لا يدخل الخلاء إلا قليلا ويقول : إن أحدنا مجالس لله على الدوام ولو لم يشعر بذلك وإذا قال الملك لعبده تهيأ لمجالستي فإني أريد أنك تجالسني ثلاثة أيام مثلا فمن أدبه أن يستعد لذلك بقلة الأكل والشرب وإلا لزمه أن يقوم من تلك الحضرة الشريفة إلى البول والغائط وهو مكشوف السوءتين والشياطين حوله لا يقربه ملك وهو جالس في مكان نجس على أقبح صورة وأنتن ريح وكذلك بلغنا عن الإمام البخاري أنه كان يقلل الأكل حتى انتهى أكله إلى تمرة أو لوزة في كل يوم من غير ضرر .
وكذلك بلغنا عن الإمام مالك أنه كان يأكل كل ثلاثة أيام أكلة واحدة ويقول أستحي من ترددي للخلاء بين يدي الله D ولما حج أخي الشيخ أفضل الدين أحرم بالحج مفردا فمكث نحو خمسة عشر يوما لا يبول ولا يتغوط يقول : أستحي من الله أن أقذر هذه الأرض المشرفة بشيء من فضلاتي .
وكذلك رأيت أخي الشيخ أبا العباس الحريثي C كان لا يدخل الخلاء إلا قليلا فبهدى هذه الأشياخ يا أخي اقتد وقد أنشد سيدي أبو المواهب من موشح : .
أنت حاضر في الحضرة ... ليت شعري هل تدري .
فتحتاج يا أخي إلى شيخ يسلك بك حتى تعرف عظمة الله تعالى وتعرف مقدار حضرته وأهلها وتصير يشق عليك مفارقتها حتى ترى الضرب بالسيف أهون عليك من مفارقتها وإلا فمن لازمك التهاون بها لأنك لم تعرف للحضور مع الله طعما والله يتولى هداك