لكل شدة لبوسها وهو يتعلل بعسى ولعل ويرى جنده الأفل وحزبه الأقل وناصره الأذل فلا يرعوي ولا يزدجر ولا يفكر ولا يعتبر ولا ينظر ولا يستبصر حتى إذا وقعت رايته وقامت قيامته وهجمت عليه منيته وأحاطت به خطيئته فانكشف له الغطاء وتبدت له موارد الشقاء صاح واخيبتاه واثكل أماه واسوء منقلباه .
هيهات هيهات ندم والله حيث لا ينفعه الندم وأراد التثبيت بعدما زلت به القدم فخر صريعا لليدين وللفم إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم فنعوذ بالله من الحرمان ومن ضحك العدو وشماتة الشيطان .
وهذا والذي قبله إن لم يكن لهما عناية أزلية وسابقة أولية فيمسك عليهما الإيمان ويختم لهما بالإسلام وإلا فقد هلكا كل الهلاك ووقعا بحيث لا دراك ولا مخلص ولا إنفكاك .
فنعوذ بالله من سوء القضاء ودرك الشقاء بفضله ورحمته .
ورجل أخر وقليل ما هم من أزيل من عينه قذاها وكشف عن بصيرته عماها وعرضت عليه الحقيقة فرآها وأبصر نفسه وهواها فزجرها ونهاها وأبغضها وقلاها فلبى المنادي وأجاب الداعي وشمر لتلافي ما فات والنظر فيما هو آت وتأهب لهجوم الممات وحلول الشتات والانتقال إلى محلة الأموات .
ومع هذا فإنه يكره الموت أن يشهد وقائعه أو يرى طلائعه أو يكون ذاكرا حديثه أو سامعه وليس يكره الموت لذاته ولا لأنه هادم لذاته ولكن يخاف أن يقطعه عن الاستعداد ليوم المعاد والاكتساب ليوم الحساب ويكره أن تطوى صحيفة عمله قبل بلوغ أمله وأن يبادر بأجله قبل إصلاح خلله وتدارك زلله فهو يريد البقاء في هذه الدار لقضاء هذه الأوطار والإقامة بهذه المحلة بسبب هذه العلة