قريب أو كأن الذي يراها لا يكون مثلها ولا يدخل مدخلها وكأن ذلك الميت نزل به ملك الموت وحده وإياه قصد خاصة .
نعم يعلم الإنسان منا أن سيموت كما مات هذا وتشيع جنازته كما شيعت جنازة هذا وربما مات بحيث لا تشيع جنازته ولا توارى له جثة ولكن لا يظن ذلك عن قريب ولا يحسب أنه منه غير بعيد قد فسح لنفسه في المدة ومد لها في المهلة وحكم أنه لا يموت إلا بعد سنين وإن قال ربما أموت اليوم أو غدا فقول ضعيف لا يتحرك منه بسببه ساكن ولا يظهر عليه منه أثر نازل لأنه عند رؤية الجنازة كما كان قبل أن يراها وربما يحدث بحديثه الذي كان يتحدث والميت يدفن أو هو وراءه يشيعه إلى قبره وإن جاءه ضحك ضحك وإن حضره نادر من لغو الكلام تكلم به وأودعه صحيفته وبعث به إلى ربه .
وقلما يبكى على الجنازة إلا أهلها تألما لفراقها لا لنفس الموت كبكاء الصبي والمرأة اللذين لا يعقلان ولا يعلمان ولو كانوا يعلمون لكان بكاؤهم على أنفسهم لا على ميتهم لأن ميتهم قد مات وهم ينتظرون الموت .
وأنشدوا .
( أعاذل حتى ما تعذليني ... إن لم تعينيني فاتركيني ) .
( لومي بما شئت من ملام ... ووبخيني وفنديني ) .
ولا تظني بأن حزني ... وسقم جسمي وما تريني ) .
( أثار ذاكم إن مات ميت ... قد كان دنياي ذا ودين ) .
( تركته في القبور فردا ... وحييت في دمعه الحزين ) .
( لا والذي جوده يرجى ... كل أوان وكل حين ) .
( ما أنا باك إلا لنفسي ... لا لقريب ولا خدين ) .
( ومصرع للمنون ضيق ... أتل فيه على الجبين ) .
( أؤخذ فيه من كل أفق ... أخذ شديد القوى متين ) .
( فمن أمامي ومن ورائي ... وعن شمالي وعن يميني ) .
( وفوق رأسي معا وتحتي ... من حيث ما رحت يلتقيني )