بأن الشيطان ينكشف لأرباب القلوب وكذلك الملك تارة بطريق التمثيل والمحاكاة كما يكون ذلك في النوم وتارة بطريق الحقيقة والأكثر هو التمثيل بصورة محاكية للمعنى هو مثال المعنى لا عين المعنى إلا أنه يشاهد بالعين مشاهدة محققة وينفرد بمشاهدته المكاشف دون من حوله كالنائم .
بيان ما يؤاخذ به العبد من وساوس القلوب وهمها وخواطرها وقصودها وما يعفى .
عنه ولا يؤاخذ به .
اعلم أن هذا أمر غامض وقد وردت فيه آيات وأخبار متعارضة يلتبس طريق الجمع بينها إلا على سماسرة العلماء بالشرع فقد روي عن النبي A أنه قال عفى عن أمتي ما حدثت به نفوسها ما لم تتكلم به أو تعمل به // حديث عفى لأمتى عما حدثت به نفوسها متفق عليه من حديث أبي هريرة إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها الحديث // وقال أبو هريرة قال رسول الله A إن الله تعالى يقول للحفظة إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها فإن عملها فاكتبوها سيئة وإذا هم بحسنة لم يعملها فاكتبوها حسنة فإن عملها فاكتبوها عشرا // حديث أبي هريرة يقول الله إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه الحديث قال المصنف أخرجه مسلم والبخاري في الصحيحين قلت هو كما قال واللفظ لمسلم فلهذا والله أعلم قدمه في الذكر // وقد خرجه البخاري ومسلم في الصحيحين وهو دليل على العفو عن عمل القلب وهمه بالسيئة وفي لفظ آخر من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ومن هم بحسنة فعملها كتبت له إلى سبعمائة ضعف ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه وإن عملها كتبت وفي لفظ آخر وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها وكل ذلك يدل على العفو فأما ما يدل على المؤاخذة فقوله سبحانه إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وقوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا فدل على أن عمل الفؤاد كعمل السمع والبصر فلا يعفي عنه وقوله تعالى ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه وقوله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والحق عندنا في هذه المسألة لا يوقف عليه ما لم تقع الإحاطة بتفصيل أعمال القلوب من مبدأ ظهورها إلى أن يظهر العمل على الجوارح فنقول أول ما يرد على القلب الخاطر كما لو خطر له مثلا صورة امرأة وأنها وراء ظهره في الطريق لو التفت إليها لرآها .
والثاني هيجان الرغبة إلى النظر وهو حركة الشهوة في الطبع وهذا يتولد من الخاطر الأول ونسميه ميل الطبع ويسمى الأول حديث النفس .
والثالث حكم القلب بأن هذا ينبغي أن يفعل أي ينبغي أن ينظر إليها فإن الطبع إذا مال لم تنبعث الهمة والنية ما لم تندفع الصوارف فإنه قد يمنعه حياء أو خوف من الالتفات وعدم هذه الصوارف ربما يكون بتأمل وهو على كل حال حكم من جهة العقل ويسمى هذا اعتقادا وهو يتبع الخاطر والميل .
الرابع تصميم العزم على الالتفات وجزم النية فيه وهذا نسميه هما بالفعل ونية وقصدا وهذا الهم قد يكون له مبدأ ضعيف ولكن إذا أصغى القلب إلى الخاطر الأول حتى طالت مجاذبته للنفس تأكد هذا الهم وصار إرادة مجزومة فإذا انجزمت الإرادة فربما يندم بعد الجزم فيترك العمل وربما يغفل بعارض فلا يعمل به ولا يلتفت إليه وربما يعوقه عائق فيتعذر عليه العمل .
فههنا أربع أحوال للقلب قبل العمل بالجارحة الخاطر وهو حديث النفس ثم الميل ثم الاعتقاد ثم الهم .
فنقول أما الخاطر فلا يؤاخذ به لأنه لا يدخل تحت الاختيار وكذلك الميل وهيجان الشهوة لأنهما لا يدخلان