وينبغي أن يحمل لأهل بيته وأقاربه تحفة من مطعوم أو غيره على قدر إمكانه فهو سنة .
فقد روي أنه إن لم يجد شيئا فليضع في مخلاته حجرا // حديث إطراق أهله عند القدوم ولو بحجر أخرجه الدارقطني من حديث عائشة بإسناد ضعيف // .
وكأن هذا مبالغة في الاستحثاث على هذه المكرمة لأن الأعين تمتد إلى القادم من السفر والقلوب تفرح به فيتأكد الاستحباب في تأكيد فرحهم وإظهار التفات القلب في السفر إلى ذكرهم بما يستصحبه في الطريق لهم فهذه جملة من الآداب الظاهرة .
وأما الآداب الباطنة ففي الفصل الأول بيان جملة منها .
وجملته أن لا يسافر إلا إذا كان زيادة دينه في السفر .
ومهما وجد قلبه متغيرا إلى نقصان فيقف ولينصرف ولا ينبغي أن يجاوز همه منزله بل ينزل حيث ينزل قلبه وينوي في دخول كل بلدة أن يرى شيوخها ويجتهد أن يستفيد من كل واحد منهم أدبا أو كلمة لينتفع بها لا ليحكي ذلك ويظهر أنه لقي المشايخ .
ولا يقيم ببلدة أكثر من أسبوع أو عشرة أيام إلا أن يأمره الشيخ المقصود بذلك .
ولا يجالس في مدة الإقامة إلا الفقراء الصادقين وإن كان قصده زيارة أخ فلا يزيد على ثلاثة أيام فهو حد الضيافة إلا إذا شق على أخيه مفارقته .
وإذا قصد زيارة شيخ فلا يقيم عنده أكثر من يوم وليلة .
ولا يشغل نفسه بالعشرة فإن ذلك يقطع بركة سفره .
وكلما دخل بلدا لا يشتغل بشيء سوى زيارة الشيخ بزيارة منزله فإن كان في بيته فلا يدق عليه بابه ولا يستأذن عليه إلى أن يخرج فإذا خرج تقدم إليه بأدب فسلم عليه ولا يتكلم بين يديه إلا أن يسأله فإن سأله أجاب بقدر السؤال ولا يسأله عن مسألة ما لم يستأذن أولا .
وإذا كان في السفر فلا يكثر ذكر أطعمة البلدان وأسخيائها ولا ذكر أصدقائه فيها وليذكر مشايخها وفقراءها .
ولا يهمل في سفره زيارة قبور الصالحين بل يتفقدها في كل قرية وبلدة .
ولا يظهر حاجته إلا بقدر الضرورة ومع من يقدر على إزالتها .
ويلازم في الطريق الذكر وقراءة القرآن بحيث لا يسمع غيره .
وإذا كلمه إنسان فليترك الذكر وليجبه ما دام يحدثه ثم ليرجع إلى ما كان عليه .
فإن تبرمت نفسه بالسفر أو بالإقامة فليخالفها فالبركة في مخالفة النفس .
وإذا تيسرت له خدمة قوم صالحين فلا ينبغي له أن يسافر تبرما بالخدمة فذلك كفران نعمة .
ومهما وجد نفسه في نقصان عما كان عليه في الحضر فليعلم أن سفره معلول وليرجع إذ لو كان لحق لظهر أثره .
قال رجل لأبي عثمان المغربي خرج فلان مسافرا فقال السفر غربة والغربة ذلة وليس للمؤمن أن يذل نفسه وأشار به إلى أن من ليس له في السفر زيادة دين فقد أذل نفسه وإلا فعز الدين لا ينال إلا بذلة الغربة .
فليكن سفر المريد من وطن هواه ومراده وطبعه حتى يعز في هذه الغربة ولا يذل فإن من اتبع هواه في سفره ذل لا محالة إما عاجلا وإما آجلا .
الباب الثاني فيما لا بد للمسافر من تعلمه من رخص السفر وأدلة القبلة .
والأوقات .
اعلم أن المسافر يحتاج في أول سفره إلى أن يتزود لدنياه ولآخرته .
أما زاد الدنيا فالطعام والشراب وما يحتاج إليه من نفقة .
فإن خرج متوكلا من غير زاد فلا بأس به إذا كان سفره في قافلة أو بين قرى متصلة .
وإن ركب البادية وحده أو مع قوم لا طعام معهم ولا شراب فإن كان ممن يصبر على الجوع أسبوعا أو عشرا مثلا أو يقدر على أن يكتفي بالحشيش فله ذلك .
وإن لم يكن له قوة الصبر على الجوع ولا القدرة على الاجتزاء بالحشيش فخروجه منغير زاد معصية فإنه ألقى نفسه بيده إلى التهلكة ولهذا سر سيأتي في كتاب التوكل