خاتمة لهذا الباب نذكر فيها جملة آداب العشرة و المجالسة مع أصناف الخلق ملتقطة من كلام بعض الحكماء .
أن أردت حسن العشرة فالق صديقك وعدوك بوجه الرضا من غير ذلة لهم ولا هيبة منهم وتوقير من غير كبر وتواضع مي غير مذلة .
وكن في جميع أمورك في أوسطها فكلا طرفي قصد الأمور ذميم .
ولا تنظر في عطفيك ولا تكثر الالتفات ولا تقف على الجماعات وإذا جلست فلا تستوفز وتحفظ من تشبيك أصابعك و العبث بلحيتك وخاتمك وتخليل أسنانك وإدخال أصبعك في أنفك وكثرة بصاقك وتنخمك وطرد الذباب من وجهك وكثر التمطي و التثاؤب في وجوه الناس وفي الصلاة وغيرهما وليكن مجلسك هاديا وحديثك منظوما مرتبا واصغ إلى الكلام الحسن ممن حدثك من غير إظهار تعجب مفرط ولا تسأله إعادته واسكت عن المضاحك و الحكايات ولا تحدث عن إعجابك بولدك ولا جاريتك ولا شعرك ولا تصنيفك وسائر ما يخصك ولا تتصنع تصنع المرأة في التزين ولا تتبذل تبذل العبد وتوق كثرة الكحل و الإسراف في الدهن ولا تلح في الحاجات ولا تشجع أحدا على الظلم ولا تعلم اهلك وولدك فضلا عن غيرهم مقدار مالك فإنهم إن رأوه قليلا هنت عندهم وإن كان كثيرا لم تبلغ قط رضاهم وخوفهم من غير عنف ولن لهم من غير ضعف ولا تهازل أمتك ولا عبدك فيسقط وقارك وإذا خاصمت فتوقر وتحفظ من جهلك وتجنب عجلتك وتفكر في حجتك ولا تكثر الإشارة بيديك ولا تكثر الالتفات إلى من وراءك ولا تجث على ركبتيك وإذا هدأ غيظك فتكلم وان قربك سلطان فكن منه على مثل حد السنان فإن استرسل عليك فلا تأمن انقلابه علبك وارفق به رفقك بالصبي وكلمه بما يشتهيه ما لم يكن معصية ولا يحملنك لطفه بك أن تدخل بينه وبين أهله وولده وحشمه وإن كنت لذلك مستحقا عنده فإن سقطة الداخل بين الملك وبين أهله سقطه لا تنعش وزلة لا تقال وإياك وصديق العافية فإنه أعدى الأعداء ولا تجعل مالك أكرم من عرضك وإذا دخلت مجلسا فالأدب فيه البداية بالتسليم وترك التخطى لمن سبق و الجلوس حيث اتسع وحيث يكون اقرب إلى التواضع وان تحيي بالسلام من قرب منك عند الجلوس .
ولا تجلس على الطريق فإن جلست فأدبه غض البصر ونصرة المظلوم وإغاثة الملهوف وعون الضعيف وإرشاد الضال ورد السلام وإعطاء السائل و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر والارتياد لموضع البصاق ولا تبصق في جهة القبلة ولا عن يمينك ولكن عن يسارك وتحت قدمك اليسرى .
ولا تجالس الملوك فإن فعلت فأدبه ترك الغيبة ومجانبة الكذب وصيانة السر وقلة الحوائج وتهذيب الألفاظ و الإعراب في الخطاب و المذاكرة بأخلاق الملوك وقلة المداعبة وكثرة الحذر منهم وإن ظهرت لك المودة وأن لا تتجشأ بحضرتهم ولا تخلل بعد الأكل عنده وعلى الملك أن يحتمل كل شي إلا إفشاء السر و القدح في الملك و التعرض للحرم .
ولا تجالس العامة فإن فعلت فأدبه ترك الخوض في حديثهم وقلة الإصغاء إلى أراجيفهم و التغافل عما يجري من سوء ألفاظهم وقلة اللقاء لهم مع الحاجة إليهم .
و إياك أن تمازح لبيبا أو غير لبيب فإن اللبيب يحقد عليك و السفيه يجتريء عليك لأن المزاح يخرق الهيبة ويسقط ماء الوجه ويعقب الحقد ويذهب بحلاوة الود ويشين فقه الفقيه ويجريء