أشهدك أني قد عقدت له أخوة بيني وبينه وعقدت إخاءه في الله لرسالتك ولمسألته على أن لا يزورني إن كره ذلك ولكني ازوره متى أحببت ومره أن يلقاني في مواضع نلتقي بها ومره أن لا يخفي علي شيئا من شأنه وان يطلعني على جميع أحواله فأخبر ابن سالم بشرا بذلك فرضى وسلا به .
فهذا جامع حقوق الصحبة وقد أجملناه مرة وفصلناه أخرى ولا يتم ذلك إلا بأن تكون على نفسك للإخوان ولا تكون لنفسك عليهم وان تنزل نفسك منزلة الخادم لهم فتقيد بحقوقهم جميع جوارك .
أما البصر فبأن تنظر إليهم نظر مودة يعرفونها منك وتنظر إلى محاسنهم وتتعامى عن عيوبهم ولا تصرف بصرك عنهم في وقت إقبالهم عليك وكلامهم معك .
روى أنه A كان يعطي كل من جلس إليه نصيبا من وجهه وما استصغاه أحد إلا ظن انه أكرم الناس عليه حتى كان مجلسه وسمعه وحديثه ولطيف مسألته وتوجهه للجالس إليه // حديث كان يعطي كل من جلس إليه نصيبه من وجهه الحديث أخرجه الترمذي في الشمائل من حديث علي في أثناء حديث فيه يعطي كل جلسائه نصيبه لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه ممن جالسه ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول ثم قال مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة وفيه يضحك مما يضحكون منه ويتعجب مما يتعجبون منه و للترمذي من حديث عبد الله بن الحارث بن جزء ما رأيت أحدا اكثر تبسما من رسول الله A وقال غريب // .
وكان مجلسه مجلس حياء وتواضع وأمانة وكان عليه السلام اكثر الناس تبسما وضحكا في وجوه أصحابه وتعجبا مما يحدثونه به وكان ضحك أصحابه عنده التبسم اقتداء منهم بفعله وتوقيرا له عليه السلام .
وأما السمع فبأن تسمع كلامه متلذذا بسماعه ومصدقا به ومظهرا للاستبشار به ولا تقطع حديثهم عليهم بمرادة ولا منازعة ومداخلة واعتراض فإن أرهقك عارض اعتذرت إليهم وتحرس سمعك عن سماع ما يكرهون .
وأما اللسان فقد ذكرنا حقوقه فإن القول فيه يطول ومن ذلك أن لا يرفع صوته عليهم ولا يخاطبهم إلا بما يفقهون .
و أما اليدان فأن لا يقبضهما عن معاونتهم في كل ما يتعاطى باليد .
و أما الرجلان فأن يمشي بهما وراءهم مشى الأتباع لا مشي المتبوعين ولا يتقدمهم إلا بقدر ما يقدمونه ولا يقرب منهم إلا بقدر ما يقربونه ويقوم لهم إذا أقبلوا ولا يقعد إلا بقعودهم ويقعد متواضعا حيث يقعد .
ومهما تم الاتحاد خف حمله من هذه الحقوق مثل القيام و الاعتذار و الثناء فإنها من حقوق الصحبة وفي ضمنها نوع من الأجنبية و التكلف فإذا تم الاتحاد انطوى بساط التكلف بالكلية فلا يسلك به إلا مسلك نفسه لأن هذه الآداب الظاهرة عنوان آداب الباطن وصفاء القلب .
ومهما صفت القلوب استغني عن تكلف إظهار ما فيها ومن كان نظره إلى صحبة الخلق فتارة يعوج وتارة يستقيم ومن كان نظره إلى الخالق لزم الاستقامة ظاهرا وباطنا وزين باطنه بالحب لله ولخلقه وزين ظاهره بالعبادة لله و الخدمة لعباده فإنها أعلى أنواع الخدمة لله إذ لا وصول إليه إلا بحسن الخلق ويدرك العبد بحسن خلقه درجة القائم الصائم وزيادة