واللسان و القلب و السر و العلانية و الجماعة و الخلوة و الاختلاف و التفاوت في شيء من ذلك مماذقة في المودة وهو دخل في الدين ووليجة في طريق المؤمنين ومن لا يقدر من نفسه على هذا فالانقطاع و العزلة أولى به من المؤاخاة و المصاحبة فإن حق الصحبة ثقيل لا يطيقه إلا محقق فلا جرم أجره جزيل لا يناله إلا موفق .
ولذلك قال عليه السلام أبا هر أحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما وأحسن مصاحبة صاحبك تكن مؤمنا // حديث أحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما وأحسن مصاحبة من صاحبك تكن مؤمنا أخرجه الترمذي وابن ماجه و اللفظ له من حديث أبي هريرة بالشطر الأول فقط و قال الترمذي مؤمنا قال وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما وقال ابن ماجه مؤمنا قال الدارقطني و الحديث ثابت ورواه القضاعي في مسند الشهاب بلفظ المصنف // .
فانظر كيف جعل الإيمان جزاء الصحبة والإسلام جزاء الجوار فالفرق بين فضل الإسلام على حد الفرق بين المشقة في القيام بحق الجوار و القيام بحق الصحبة .
فإن الصحبة تقتضي حقوقا كثيرة في أحوال متقاربة مترادفة على الدوام و الجوار لا يقتضي إلا حقوقا قريبة في أوقات متباعدة لا تدوم .
ومن ذلك التعليم و النصيحة فليس حاجة أخيك إلى العلم بأقل من حاجته إلى المال فإن كنت غنيا بالعلم فعليك مواساته من فضلك وإرشاده إلى كل ما ينفعه في الدين و الدنيا فإن علمته وأرشدته ولم يعمل بمقتضى العلم فعليك النصيحة وذلك بأن تذكر آفات ذلك الفعل وفوائد تركه وتخوفه بما يكرهه في الدنيا و الآخرة لينزجر عنه وتنبهه على عيوبه وتقبح القبيح في عينه وتحسن الحسن ولكن ينبغي أن يكون ذلك في سر لا يطلع عليه أحد فما كان على الملأ فهو توبيخ وفضيحة وما كان في السر فهو شفقة و نصيحة إذ قال A المؤمن مرآة المؤمن // حديث المؤمن مرآة المؤمن أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة بإسناد حسن // .
أي يرى منه ما لا يرى من نفسه فيستفيد المرء بأخيه معرفة عيوب نفسه ولو انفرد لم يستفد كما يستفيد بالمرآة الوقوف على عيوب صورته الظاهرة .
و قال الشافعي Bه من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه .
وقيل لمسعر أتحب من يخبرك بعيوبك فقال أن نصحني فيما بيني وبينه فنعم وإن قرعني بين الملأ فلا .
وقد صدق فإن النصح على الملأ فضيحة و الله تعالى يعاتب المؤمن يوم القيامة تحت كنفه في ظل ستره فيوقفه على ذنوبه سرا وقد يدفع كتاب عمله مختوما إلى الملائكة الذين يحفون به إلى الجنة فإذا قاربوا باب الجنة أعطوه الكتاب مختوما ليقرأه وأما أهل المقت فينادون على رءوس الأشهاد وتستنطق جوارحهم بفضائحهم فيزدادون بذلك خزيا وافتضاحا ونعوذ بالله من الخزى يوم العرض الأكبر .
فالفرق بين التوبيخ و النصيحة بالإسرار و الإعلان كما أن الفرق بين المداراة و المداهنة بالغرض الباعث على الإغضاء .
فإن أغضيت لسلامة دينك ولما ترى من إصلاح أخيك بالإغضاء فأنت مدار وإن أغضيت لحظ نفسك واجتلاب شهواتك وسلامة جاهك فأنت مداهن .
و قال ذو النون لا تصحب مع الله إلا بالموافقة ولا مع الخلق إلا بالمناصحة ولا مع النفس إلا بالمخالفة ولا مع الشيطان إلا بالعداوة .
فإن قلت فإذا كان في النصح ذكر العيوب ففيه إيحاش القلب فكيف يكون ذلك من حق الأخوة فاعلم أن الإيحاش إنما يحصل بذكر عيب يعلمه أخوك من نفسه فأما تنبيهه على ما لا يعمله فهو عين الشفقة وهو استمالة القلوب أعني قلوب العقلاء وأما الحمقى فلا يلتفت إليهم فإن من ينبهك على فعل مذموم تعاطيته أو صفة مذمومة اتصفت بها لتزكي نفسك عنها كان كمن ينبهك على حية أو عقرب تحت ذيلك وقد همت بإهلاكك فإن كنت تكره ذلك فما أشد حمقك و الصفات الذميمة عقارب وحيات وهي في الآخرة مهلكات فإنها تلذغ القلوب و الأرواح وألمها أشد مما يلدغ الظواهر و الأجساد وهي مخلوقة من نار الله الموقدة ولذلك كان عمر Bه