ثوب المحبوب ويخفيه تذكرة من جهته ويحب منزله ومحلته وجيرانه حتى قال مجنون بني عامر .
أمر على الديار ديار للى ... أقبل ذا الجدار وذا الجدارا .
وما حب الديار شغفن قلبي ... ولكن حب من سكن الديارا .
فإذن المشاهدة و التجربة تدل على أن الحب يتعدى من ذات المحبوب إلى ما يحيط به ويتعلق بأسبابه ويناسبه ولو من بعد ولكن ذلك من خاصيه فرط المحبة فأصل المحبة لا يكفي فيه ويكون اتساع الحب في تعديه من المحبوب إلى ما يكتنفه و يحيط به ويتعلق بأسبابه بحسب إفراط المحبة وقوتها وكذلك حب الله سبحانه وتعالى إذا قوى وغلب على القلب واستولى عليه حتى انتهى إلى حد الاستهتار فيتعدى إلى كل موجود سواه فإن كل موجود سواه أثر من آثار قدرته ومن أحب إنسانا أحب صنعته وخطه وجميع أفعاله ولذلك كان A إذا حمل إليه باكورة من الفواكه مسح بها عينيه وأكرمها و قال انه قريب العهد بربنا // حديث كان إذا حمل إليه باكورة من الفواكه مسح بها عينيه وأكرمها وقال إنها قريب عهد بربها أخرجه الطبراني في الصغير من حديث ابن عباس وأبو داود في المراسيل و البيهقي في الدعوات من حديث أبي هريرة دون قوله وأكرمها الخ وقال انه غير محظوظ وحديث أبي هريرة في الباكورة عند بقية أصحاب السنن دون مسح عينيه بها وما بعده و قال الترمذي حسن صحيح // .
وحب الله تعالى تارة يكون لصدق الرجاء في مواعيده وما يتوقع في الآخرة من نعيمه وتارة لما سلف من أياديه وصنوف نعمته وتارة لذاته لا لأمر آخر وهو أدق ضرب المحبة و أعلاها وسيأتي تحقيقها في كتاب المحبة من ربع المنجيات إن شاء الله تعالى وكيفما اتفق حب الله فإذا قوى تعدى إلى كل متعلق به ضربا من التعلق حتى يتعدى إلى ما هو في نفسه مؤلم مكروه ولكن فرط الحب يضعف الإحساس بالألم و الفرح بفعل المحبوب وقصده إياه بالإيلام يغمر إدراك الألم وذلك كالفرح بضربة من المحبوب أو قرصة فيها نوع معاتبة فإن قوة المحبة تثير فرحا يغمر إدراك الألم فيه وقد انتهت محبة الله بقوم إلى أن قالوا لا نفرق بين البلاء و النعمة فإن الكل من الله ولا نفرح إلا بما فيه رضاه حتى قال بعضهم لا أريد أن أنال مغفرة الله بمعصية الله .
وقال سمنون .
وليس لي في سواك حظ ... فكيفما شئت فاختبرني .
وسيأتي تحقيق ذلك في كتاب المحبة .
و المقصود أن أحب الله إذ قوي أثمر حب كل من يقوم بحق عبادة الله في علم أو عمل وأثمر حب كل من فيه صفة مرضية عند الله من خلق حسن أو تأدب بآداب الشرع .
وما من محب للآخرة ومحب لله إلا إذا أخبر عن حال رجلين أحدهما عالم عابد و الآخرة جاهل فاسق إلا وجد في نفسه ميلا إلى العالم العابد ثم يضعف ذلك الميل ويقوى بحسب ضعف إيمانه وقوته وبحسب ضعف حبه لله وقوته وهذا الميل حاصل وإن كانا غائبين عنه بحيث يعلم أنه لا يصيبه منهما خير ولا شر في الدنيا ولا في الآخرة فذلك الميل هو حب في الله ولله من غير حظ فإنه إنما يحبه لأن الله يحبه ولأنه مرضي عند الله تعالى ولأنه يحب الله تعالى ولأنه مشغول بعبادة الله تعالى إلا انه إذا ضعف لم يظهر أثر ولا يظهر به ثواب و لا أجر فإذا قوى حمل على الموالاة و النصرة و الذب بالنفس و المال و اللسان وتتفاوت الناس فيه بحسب تفاوتهم في حب الله D ولو كان الحب مقصورا على حظ ينال من المحبوب في الحال أو المآل لما تصور حب الموتى من العلماء و العباد ومن الصحابة و التابعين بل من الأنبياء المنقرضين صلوات الله عليهم وسلامه وحب جميعهم مكنون في قلب كل مسلم متدين ويتبين ذلك بغضبه عند طعن أعدائهم في واحد منهم ويفرحه عند الثناء عليهم وذكر محاسنهم وكل ذلك حب لله لأنهم خواص عباد الله