مسألة المواضع التي بناها الظلمة كالقناطر و الرباطات و المساجد و السقايات ينبغي أن يحتاط فيها وينظر أما القنطرة فيجوز العبور عليها للحاجة و الورع الاحتراز ما أمكن و إن وجد عنه معدلا تأكد الورع .
وإنما جوزنا العبور وإن وجد معدلا لأنه إذا لم يعرف الأعيان مالكا كان حكمها أن ترصد للخيرات وهذا خير فأما إذا عرف أن الآجر و الحجر قد نقل من دار معلومة أو مقبرة أو مسجد معين فهذا لا يحل العبور عليه أصلا إلا لضرورة يحل بها مثل ذلك من مال الغير ثم يجب عليه الاستحلال من المالك الذي يعرفه .
وأما المسجد فإن بنى في أرض مغضوبة أو بخشب مغصوب من مسجد آخر أو ملك معين فلا يجوز دخوله أصلا ولا للجمعة بل لو وقف الأمام فيه فليصل هو خلف الأمام وليقف خارج المسجد فإن الصلاة في الأرض المغصوبة تسقط الفرض وتنعقد في حق الاقتداء فلذلك جوزنا للمقتدي الاقتداء بمن صلى في الأرض المغصوبة وإن عصى صاحبه بالوقوف في الغصب .
وإن كان من مال لا يعرف مالكه فالورع العدول إلى مسجد آخر إن وجد فإن لم يجد غيره فلا يترك الجمعة و الجماعة به لأنه يحتمل أن يكون من الملك الذي بناه ولو على بعد وإن لم يكن له مالك معين فهو لمصالح المسلمين .
ومهما كان في المسجد الكبير بناء لسلطان ظالم فلا عذر لمن يصلي فيه مع اتساع المسجد أعني في الورع قيل لأحمد بن حنبل ما حجتك في ترك الخروج إلى الصلاة في جماعة ونحن بالعسكر فقال .
حجتي أن الحسن وإبراهيم التيمي خافا أن يفتنهما الحجاج وأنا أخاف أن أفتن أيضا .
وأما الخلوق و التجصيص فلا يمنع من الدخول لأنه غير منتفع به في الصلاة وإنما هو زينة و الأولى انه لا ينظر إليه وأما البوارى التي فرشوها فإن كان لها مالك معين فيحرم الجلوس عليها و إلا فبعد أن أرصدت لمصلحة عامة جاز افتراشها ولكن الورع العدول عنها فإنها محل شبهة .
وأما السقاية فحكمها ما ذكرناه وليس عن الورع الوضوء و الشرب منها و الدخول إليها إذا كان يخاف فوات الصلاة فيتوضأ وكذا مصانع طريق مكة .
وأما الرباطات و المدارس فإن كانت رقبة الأرض مغصوبة أو الآجر منقولا من موضع معين يمكن الرد إلى مستحقه فلا رخصة للدخول فيه و إن التبس المالك فقد أرصد لجهة من الخير و الورع اجتنابه ولكن لا يلزم الفسق بدخوله .
وهذه الأبنية إن أرصدت من خدم السلاطين فالأمر فيها أشد إذ ليس لهم صرف الأموال الضائعة إلى المصالح و لأن الحرام أغلب على أموالهم إذ ليس لهم أخذ مال المصالح وإنما يجوز ذلك للولاة و أرباب الأمر .
مسألة الأرض المغصوبة إذا جعلت شارعا لم يجز أن يتخطى فيه ألبتة وان لم يكن له مالك معين جاز و الورع العدول إن أمكن فإن كان الشارع مباحا وفوقه ساباط جاز العبور وجاز الجلوس تحت الساباط على وجه لا يحتاج فيه إلى السقف كما يقع فى الشارع لشغل فإذا انتفع بالسقف فى دفع حر الشمس أو المطر أو غيره فهو حرام لأن السقف لا يراد إلا لذلك وهكذا حكم من يدخل مسجدا أو أرضا مناحة سقف أو حوط بغصب فإنه بمجرد التخطى لا يكون منتفعا بالحيطان و السقف إلا إذا كان له فائدة في الحيطان و السقف لحر أو برد تستر عن بصر أو غيره فذلك حرام لأنه انتفاع بالحرام إذا لم يحرم الجلوس على الغصب لما فيه من المماسة بل للانتفاع و الأرض تراد للاستقرار عليها و السقف للاستظلال به فلا فرق بينهما