أبو عبيدة بن الجراح Bه يد علي كرم الله وجهه لما أن لقيه بالشام فلم ينكر عليه .
وقد بالغ بعض السلف حتى امتنع عن رد جوابهم في السلام و الاعراض عنهم استحقارا لهم وعد ذلك من محاسن القربات .
فأما السكوت عن رد الجواب ففيه نظر لأن ذلك واجب فلا ينبغي أن يسقط بالظلم .
فإن ترك الداخل جميع ذلك واقتصر على السلام فلا يخلو من الجلوس على بساطهم وإذا كان اغلب أموالهم حراما فلا يجوز الجلوس على فرشهم هذا من حيث الفعل .
فأما السكوت فهو أنه سيرى في مجلسهم من الفرش الحرير وأواني الفضة و الحرير الملبوس عليهم وعلى غلمانهم ما هو حرام .
وكل من رأى سيئة وسكت عليها فهو شريك في تلك السيئة .
بل يسمع من كلامهم ما هو فحش وكذب وشتم وإيذاء والسكوت على جميع لك حرام بل يراهم لابسين الثياب الحرام واكلين الطعام الحرام وجميع ما فى أيديهم حرام والسكوت على ذلك غير جائز فيجب عليه الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بلسانه أن لم يقدر بفعله .
فإن قلت انه يخاف على نفسه فهو معذور في السكوت فهذا حق ولكنه مستغن عن أن يعرض نفسه لارتكاب مالا يباح إلا بعذر فإنه لو لم يدخل ولم يشاهد لم يتوجه عليه الخطاب بالحسبة حتى يسقط عنه بالعذر .
وعند هذا أقول من علم فسادا في موضع وعلم أنه لا يقدر على إزالته فلا يجوز له أن يحضر ليجري ذلك بين يديه وهو يشاهده ويسكت بل ينبغي أن يحترز عن مشاهدته .
وأما القول فهو أن يدعو للظالم أو يثني عليه أو يصدقه فيما يقول من باطل بصريح قوله أو بتحريك رأسه أو باستبشار في وجهه أو يظهر له الحب و الموالاة و الاشتياق إلى لقائه و الحرص على طول عمره وبقائه فإنه في الغالب لا يقتصر على السلام بل يتكلم ولا يعدو كلامه هذه الأقسام .
أما الدعاء له فلا يحل إلا أن يقول أصلحك الله أو وفقك الله للخيرات أو طول الله عمرك في طاعته أو ما يجري هذا المجرى .
فأما الدعاء بالحراسة وطول البقاء وإسباغ النعمة مع الخطاب بالمولى وما في معناه فغير جائز قال A من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه // حديث من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه تقدم // .
فإن جاوز الدعاء إلى الثناء فسيذكر ما ليس فيه فيكون به كاذبا ومنافقا ومكرما لظالم وهذه ثلاث معاص .
وقد قال A إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق // حديث إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق تقدم // .
وفي خبر آخر من أكرم فاسقا فقد أعان على هدم الإسلام // حديث من أكرم فاسقا فقد أعان على هدم الإسلام تقدم أيضا // .
فإن جاوز ذلك إلى التصديق له فيما يقول والتزكية والثناء على ما يعمل كان عاصيا بالتصديق والإعانة فإن التزكية والثناء إعانة على المعصية وتحريك للرغبة فيه كما أن التكذيب والذمة والتقبيح زجر عنه وتضعيف لدواعيه .
والإعانة على المعصية معصية ولو بشطر كلمة .
ولقد سئل سفيان الثوري Bه عن ظالم أشرف على الهلاك في برية هل يسقى شربة ماء فقال لا دعه حتى يموت فإن ذلك إعانة له .
وقال غيره يسقى إلى أن تثوب إليه نفسه ثم يعرض عنه .
فإن جاوز ذلك إلى إظهار الحب والشوق إلى لقائه وطول بقائه فإن كان كاذبا عصى معصية الكذب والنفاق وإن كان صادقا عصى بحبه بقاء الظالم وحقه أن يبغضه في الله ويمقته .
فالبغض في الله واجب ومحب المعصية والراضي بها عاص ومن أحب ظالما فإن أحبه لظلمه فهو عاص لمحبته وإن أحبه لسبب آخر فهو عاص من حيث إنه لم يبغضه وكان الواجب عليه أن يبغضه .
وإن اجتمع في شخص خير وشر وجب أن يحب لأجل ذلك الخير ويبغض لأجل ذلك الشر .
وسيأتي