أو الاستيفاء ولم يجر شيء منهما ولكنه أكل ملك نفسه وهو عاص به عصيان الراهن للطعام إذا أكله بغير إذن المرتهن وبينه وبين أكل طعام الغير فرق ولكن أصل التحريم شامل هذا كله إذا قبض قبل توفية الثمن إما بطيبة قلب البائع أو من غير طيبة قلبه .
فأما إذا وفى الثمن الحرام أولا ثم قبض فإن كان البائع عالما بأن الثمن حرام ومع هذا أقبض المبيع بطل حق حبسه وبقي له الثمن في ذمته إذ ما أخذه ليس بثمن ولا يصير أكل المبيع حراما بسبب بقاء الثمن فأما إذا لم يعلم أنه حرام وكانت بحيث لو علم لما رضي به ولا أقبض المبيع فحق حبسه لا يبطل بهذا التلبيس فأكله حرام تحريم أكله المرهون إلى أن يبرئه أو يوفي من حلال أو يرضى هو بالحرام ويبرئ فيصح إبراؤه ولا يصح رضاه بالحرام فهذا مقتضى الفقه وبيان الحكم في الدرجة الأولى من الحلل والحرمة فأما الامتناع عنه فمن الورع المهم لأن المعصية إذا تمكنت من السبب الموصل إلى الشيء تشتد الكراهية فيه كما سبق وأقوى الأسباب الموصلة الثمن ولولا الثمن الحرام لما رضي الله البائع بتسلميه إليه فرضاه لا يخرجه عن كونه مكروها كراهية شديدة ولكن العدالة لا تنخرم به وتزول به درجة التقوى والورع .
ولو اشترى سلطان مثلا ثوبا أو أرضا في الذمة وقبضه برضا البائع قبل توفية الثمن وسلمه إلى فقيه أو غيره صلة أو خلعة وهو شاك في أنه سيقضي ثمنه من الحلال أو الحرام فهذا أخف إذ وقع الشك في تطرق المعصية إلى الثمن وتفاوت خفته بتفاوت كثرة الحرام وقلته في مال ذلك السلطان وما يغلب على الظن فيه وبعضه أشد من بعض والرجوع فيه إلى ما ينقدح في القلب .
الرتبة الوسطى أن لا يكون العوض غصبا ولا حراما ولكن يتهيأ لمعصية كما لو سلم عوضا عن الثمن عنبا والآخذ شارب الخمر أو سيفا وهو قاطع طريق فهذا لا يوجب تحريما في مبيع اشتراه في الذمة ولكن يقتضي فيه كراهية دون الكراهية التي في الغصب وتتفاوت درجات هذه الرتبة أيضا بتفاوت غلبة المعصية على قابض الثمن وندوره ومهما كان العوض حراما فبذله حرام وإن احتمل تحريمه ولكن أبيح بظن فبذله مكروه وعليه ينزل عندي النهي عن كسب الحجام وكراهته // حديث النهي عن كسب الحجام وكراهته : رواه ابن ماجة من حديث أبي مسعود الأنصاري والنسائي من حديث أبي هريرة بإسنادين صحيحين نهى رسول الله A عن كسب الحجام وللبخاري من حديث أبي جحيفة : نهى عن ثمن الدم ولمسلم من حديث رافع بن خديج كسب الحجام خبيث // .
إذ نهى عنه عليه السلام مرات ثم أمر بأن يعلف الناضح // حديث : نهى عنه مرات ثم أمر بأن يعلف الناضح رواه أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة من حديث محيصة أنه استأذن النبي A في إجارة الحجام فنهاه عنها فلم يزل يسأل ويستأذن حتى قال : أعلفه ناضحك وأطعمه رقيقك وفي رواية لأحمد أنه زجره عن كسبه فقال : ألا أطعمه أيتاما لي قال لا قال : أفلا أتصدق به قال : لا فرخص له أن يعلفه ناضحه // .
وما سبق إلى الوهم من أن سببه مباشرة النجاسة والقذر فاسد إذ يجب طرده في الدباغ والكناس ولا قائل به وإن قيل به فلا يمكن طرده في القصاب إذ كيف يكون كسبه مكروها وهو بدل عن اللحم واللحم في نفسه غير مكروه ومخامرة القصاب النجاسة أكثر منه للحجام والفصاد فإن الحجام يأخذ الدم بالمحجمة ويمسحه بالقطنة ولكن السبب أن في الحجامة والفصد تخريب بنية الحيوان وإخراجها لدمه وبه قوام حياته والأصل فيه التحريم وإنما يحل بضرورة وتعلم الحاجة والضرورة بحدس واجتهاد وربما يظن نافعا ويكون ضارا فيكون حراما عند الله تعالى ولكن يحكم بحله بالظن والحدس .
ولذلك لا يجوز للفصاد فصد صبي وعبد ومعتوه إلا بإذن وليه وقول طبيب ولولا أنه حلال في الظاهر لما أعطى عليه السلام أجرة الحجام // حديث : أعطى رسول الله A أجرة الحجام متفق عليه من حديث ابن عباس // .
ولولا أنه يحتمل التحريم لما نهى عنه فلا يمكن الجمع بين إعطائه ونهيه إلا باستنباط هذا المعنى .
وهذا كان ينبغي أن نذكره في القرائن المقرونة بالسبب فإنه أقرب إليه .
الرتبة السفلى وهي درجة الموسوسين وذلك أن يحلف إنسان على