الحرام فإن الموصل قوته الحاصلة من الغذاء الحرام والزنا والقذف لا يوجب قوة يستعان بها على الحمل بل الامتناع من أخذ حلال وصل على يد كافر وسواس بخلاف أكل الحرام إذ الكفر لا يتعلق بحمل الطعام وينجر هذا إلى أن لا يؤخذ من يد من عصى الله ولو بغيبة أو كذبة وهو غاية التنطع والإسراف فليضبط ما عرف من ورع ذي النون وبشر بالمعصية في السبب الموصل كالنهر وقوة اليد المستفادة بالغذاء الحرام .
ولو امتنع عن الشرب بالكوز لأن صانع الفخار الذي عمل الكوز كان قد عصى الله يوما بضرب إنسان أو شتمه لكان هذا وسواسا .
ولو امتنع من لحم شاة ساقها آكل حرام فهذا أبعد من يد السجان لأن الطعام يسوقه قوة السجان والشاة تمشي بنفسها والسائق يمنعها عن العدول في الطريق فقط فهذا قريب من الوسواس .
فانظر كيف تدرجنا في بيان ما تتداعى إليه هذه الأمور .
واعلم أن كل هذا خارج عن فتوى علماء الظاهر فإن فتوى الفقيه تختص بالدرجة الأولى التي يمكن تكليف عامة الخلق بها ولو اجتمعوا عليه لم يخرب العالم دون ما عداه من ورع المتقين والصالحين .
والفتوى في هذا ما قاله A لوابصة إذ قال : استفت قلبك وإن أفتوك وأفتوك وأفتوك وعرف ذلك إذ قال الإثم حزاز القلوب // حديث الإثم حزاز القلوب تقدم في العلم // .
وكل ما حاك في صدر المريد من هذه الأسباب فلو أقدم عليه مع حزازة القلب استضربه وأظلم قلبه بقدر الحزازة التي يجدها بل لو أقدم على حرام في علم الله وهو يظن أنه حلال لم يؤثر ذلك في قساواة قلبه ولو أقدم على ما هو حلال في فتوى علماء الظاهر ولكنه يجد حزازة في قلبه فذلك يضره .
وإنما الذي ذكرناه في النهي عن المبالغة أردنا به أن القلب الصافي المعتدل هو الذي لا يجد حزاز في مثل تلك الأمور فإن مال قلب موسوس عن الاعتدال ووجد الحزازة فأقدم مع ما يجد في قلبه فذلك يضره لأنه مأخوذ في حق نفسه بينه وبين الله تعالى بفتوى قلبه .
وكذلك يشدد على الموسوس في الطهارة ونية الصلاة فإنه إذا غلب على قلبه أن الماء لم يصل إلى جميع أجزائه بثلاث مرات لغلبة الوسوسة عليه فيجب عليه أن يستعمل الرابعة وصار ذلك حكما في حقه وإن كان مخطئا في نفسه أولئك قوم شددوا فشدد الله عليهم ولذلك شدد على قوم موسى عليه السلام لما استقصوا في السؤال عن البقرة ولو أخذوا أولا بعموم لفظ البقرة وكل ما ينطلق عليه الاسم لأجزأهم ذلك .
فلا تغفل عن هذه الدقائق التي رددناها نفيا وإثباتا فإن من لا يطلع على كنه الكلام ولا يحيط بمجامعه يوشك أن يزل في درك مقاصده .
وأما المعصية في العوض فله أيضا درجات الدرجة العليا التي تشتد الكراهة فيها أن يشتري شيئا في الذمة ويقضى ثمنه من غصب أو مال حرام فينظر فإن سلم إليه البائع الطعام قبل قبض الثمن بطيب قلبه فأكله قبل قضاء الثمن فهو حلال وتركه ليس بواجب بالإجماع أعني قبل قضاء الثمن ولا هو أيضا من الورع المؤكد فإن قضى الثمن بعد الأكل من الحرام فكأنه لم يقض الثمن ولو لم يقضه أصلا لكان متقلدا للمظلمة بترك ذمته مرتهنة بالدين ولا ينقلب ذلك حراما .
فإن قضى الثمن من الحرام وأبرأه البائع مع العلم بأنه حرام فقد برئت ذمته ولم يبق عليه إلا مظلمة تصرفه في الدراهم الحرام بصرفها إلى البائع وإن أبرأه على ظن أن الثمن حلال فلا تحصل البراءة لأنه يبرئه مما أخذه إبراء استيفاء ولا يصلح ذلك للإيفاء .
هذا حكم المشتري والأكل منه وحكم الذمة وإن لم يسلم إليه بطيب قلب ولكن أخذه فأكله حرام سواء أكله قبل توفية الثمن من الحرام أو بعده لأن الذي تومئ الفتوى به ثبوت حق الحبس للبائع حتى يتعين ملكه بإقباض النقد كما تعين ملك المشتري وإنما يبطل حق حبسه إما بالإبراء