عليه علامة معينة في عينه للتحريم فهل هو حرام أم لا .
فأقول ليس ذلك حراما وإنما الورع تركه وهذا الورع أهم من الورع إذا كان قليلا .
ولكن الجواب عن هذا أن قول القائل أكثر الأموال حرام في زماننا غلط محض ومنشؤه الغفلة عن الفرق بين الكثير والأكثر فأكثر الناس بل أكثر الفقهاء يظنون أن ما ليس بنادر فهو الأكثر ويتوهمون أنهما قسمان متقابلان ليس بينهما ثالث وليس كذلك بل الأقسام ثلاثة قليل وهو النادر وكثير وأكثر ومثاله أن الخنثى فيما بين الخلق نادر وإذا أضيف إليه المريض وجد كثيرا وكذا السفر حتى يقال المرض والسفر من الأعذار العامة والاستحاضة من الأعذار النادرة ومعلوم أن المرض ليس بنادر وليس بالأكثر أيضابل هو كثير والفقيه إذا تساهل وقال المرض والسفر غالب وهو عذر عام أراد به أنه ليس بنادر فإن لم يرد هذا فهو غلط والصحيح والمقيم هو الأكثر والمسافر والمريض كثير والمستحاضة والخنثى نادر فإذا فهم هذا فنقول : قول القائل الحرام أكثر باطل لأن مستند هذا القائل إما أن يكون كثرة الظلمة والجندية أو كثرة الربا والمعاملات الفاسدة أو كثرة الأيدي التي تكررت من أول الإسلام إلى زماننا هذا على أصول الأموال الموجودة اليوم أما المستند الأول فباطل فإن الظالم كثير وليس هو بالأكثر فإنهم الجندية إذ لا يظلم إلا ذو غلبة وشوكة وهم إذا أضيفوا إلى كل العالم لم يبلغوا عشر عشيرهم فكل سلطان يجتمع عليه من الجنود مائة ألف مثلا فيملك إقليمايجمع ألف ألف وزيادة ولعل بلدة واحدة من بلاد مملكته يزيد عددها على جميع عسكره ولو كان عدد السلاطين أكثر من عدد الرعايا لهلك الكل إذ كان يجب على كل واحد من الرعية أن يقوم بعشرة منهم مثلا مع تنعمهم في المعيشة ولا يتصور ذلك بل كفاية الواحد كان منهم تجمع من ألف من الرعية وزيادة وكذا القول في السراق فإن البلدة الكبيرة تشتمل منهم على قدر قليل .
وأما المستند الثاني وهو كثرة الربا والمعاملات الفاسدة فهي أيضا كثيرة وليست بالأكثر إذ أكثر المسلمين يتعاملون بشروط الشرع فعدد هؤلاء أكثر والذي يعامل بالربا أو غيره فلو عددت معاملاته وحده لكان عدد الصحيح منها يزيد على الفاسد إلا أن يطلب الإنسان بوهمه في البلد مخصوصا بالمجانة والخبث وقلة الدين حتى يتصور أن يقال معاملاته الفاسدة أكثر ومثل ذلك المخصوص نادر وإن كان كثيرا فليس بالأكثر لو كان كل معاملاته فاسدة كيف ولا يخلو هو أيضا عن معاملات صحيحة تساوي الفاسدة أو تزيد عليها وهذا مقطوع به لمن تأمله وإنما غلب هذا على النفوس لاستكثار النفوس الفساد واستبعادها إياه واستعظامها له وإن كان نادراحتى ربما يظن أن الربا وشرب الخمر قد شاع كما شاع الحرام فيتخيل أنهم الأكثرون وهو خطأ فإنهم الأقلون وإن كان فيهم كثرة .
وأما المستند الثالث وهو أخيلها أن يقال الأموال إنما تحصل من المعادن والنبات والحيوان والنبات والحيوان حاصلان بالتوالد فإذا نظرنا إلى شاة مثلا وهي تلد في كل سنة فيكون عدد أصولها إلى زمان رسول الله A قريبا من خمسمائة ولا يخلو هذا أن يتطرق إلى أصل من تلك الأصول غصب أو معاملة فاسدة فكيف يقدر أن تسلم أصولها عن تصرف باطل إلى زماننا هذا وكذا بذور الحبوب والفواكه تحتاج إلى خمسمائة أصل أو ألف أصل مثلا إلى أول زمان الشرع ولا يكون هذا حلالا ما لم يكن أصله وأصل أصله كذلك إلى أول زمان النبوة حلالا وأما المعادن فهي التي يمكن نيلها على سبيل الابتداء وهي أقل الأموال وأكثر ما يستعمل منها الدراهم والدنانير ولا تخرج إلا من دار الضرب وهي في أيدي الظلمة مثل المعادن في أيديهم يمنعون الناس منها ويلزمون الفقراء إستخراجها بالأعمال الشاقة ثم يأخذونها منهم غصبا فإذا نظر إلى هذا علم أن بقاء دينار واحد بحيث لا يتطرق إليه عقد فاسد