ليلته وقال ربحت ثلاثين ألفا وخسرت نصح رجل من المسلمين فلما أصبح غدا إلى بائع السكر فدفع إليه ثلاثين ألفا وقال بارك الله لك فيها فقال ومن أين صارت لي فقال إني كتمتك حقيقة الحال وكان السكر قد غلا في ذلك الوقت فقال رحمك الله قد أعلمتني الآن وقد طيبتها لك قال فرجع بها إلى منزله وتفكر وبات ساهرا وقال ما نصحته فلعله استحيا مني فتركها لي فبكر إليه من الغد وقال عافاك الله خذ مالك إليك فهو أطيب لقلبي فأخذ منه ثلاثين ألفا .
فهذه الأخبار في المناهي والحكايات تدل على أنه ليس له أن يغتنم فرصة وينتهز غفلة صاحب المتاع ويخفي من البائع غلاء السعر أو من المشتري تراجع الأسعار فإن فعل ذلك كان ظالما تاركا للعدل والنصح للمسلمين ومهما باع مرابحة بأن يقول بعت بما قام على أو بما اشتريته فعليه أن يصدق ثم يجب عليه أن يخبر بما حدث بعد العقد من عيب أو نقصان ولو اشترى إلى أجل وجب ذكره ولو اشترى مسامحة من صديقه أو ولده يجب ذكره .
لأن المعامل يعول على عادته في الاستقصاء أنه لا يترك النظر لنفسه فإذا تركه بسبب من الأسباب فيجب إخباره إذ الاعتماد فيه على أمانته .
الباب الرابع في الإحسان في المعاملة .
وقد أمر الله تعالى بالعدل والإحسان جميعا والعدل سبب النجاة فقط وهو يجري من التجارة مجرى رأس المال .
والإحسان سبب الفوز ونيل السعادة وهو يجري من التجارة مجرى الربح ولا يعد من الغفلاء من قنع في معاملات الدنيا برأس ماله فكذا في معاملات الآخرة فلا ينبغي للمتدين أن يقتصر على العدل واجتناب الظلم ويدع أبواب الإحسان وقد قال الله وأحسن كما أحسن الله إليك وقال D إن الله يأمر بالعدل والإحسان وقال سبحانه إن رحمت الله قريب من المحسنين ونعني بالإحسان فعل ما ينتفع به المعامل وهو غير واجب عليه ولكنه تفضل منه فإن الواجب يدخل في باب العدل وترك الظلم وقد ذكرناه وتنال رتبة الإحسان بواحد من ستة أمور .
الأول في المغابنة فينبغي أن لا يغبن صاحبه بما لا يتغابن به في العادة فأما أصل المغابنة فمأذون فيه لأن البيع للربح ولا يمكن ذلك إلا بغبن ما ولكن يراعى فيه التقريب فإن بذل المشتري زيادة على الربح المعتاد إما لشدة رغبته أو لشدة حاجته في الحال إليه فينبغي أن يمتنع من قبوله فذلك من الإحسان .
ومهما لم يكن تلبيس لم يكن أخذ الزيادة ظلما وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الغبن بما يزيد على الثلث يوجب الخيار ولسنا نرى ذلك ولكن من الإحسان أن يحط ذلك الغبن .
يروى أنه كان عند يونس بن عبيد حلل مختلفة الأثمان ضرب قيمة كل حلة منها أربعمائة وضرب كل حلة قيمتها مائتان فمر إلى الصلاة وخلف ابن أخيه في الدكان فجاء أعرابي وطلب حلة بأربعمائة فعرض عليه من حلل المائتين فاستحسنها ورضيها فاشتراها فمضى بها وهي على يديه فاستقبله يونس فعرف حلته فقال للأعرابي بكم اشتريت فقال بأربعمائة فقال لا تساوي أكثر من مائتين فارجع حتى تردها فقال هذه تساوي في بلدنا خمسمائة وأنا أرتضيها فقال له يونس انصرف فإن النصح في الدين خير من الدنيا بما فيها ثم رده إلى الدكان ورد عليه مائتي درهم وخاصم ابن أخيه في ذلك وقاتله وقال أما استحييت أما اتقيت الله تربح مثل الثمن وتترك النصح للمسلمين فقال والله ما أخذها إلا وهو راض بها .
قال فهلا رضيت له بما ترضاه لنفسك وهذا إن كان فيه إخفاء سعر وتلبيس فهو من