يظهر بميله وبالجملة كل من ينتصف لنفسه من غيره ولو في كلمة ولا ينصف بمثل ما ينتصف فهو داخل تحت قوله تعالى ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون الآيات فإن تحريم ذلك في المكيل ليس لكونه مكيلا بل لكونه أمرا مقصودا ترك العدل والنصفة فيه فهو جار في جميع الأعمال فصاحب الميزان في خطر الويل وكل مكلف فهو صاحب موازين في أفعاله وأقواله وخطراته فالويل له إن عدل عن العدل ومال عن الاستقامة ولولا تعذر هذا واستحالته لما ورد قوله تعالى وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا فلا ينفك عبد ليس معصوما عن الميل عن الاستقامة إلا أن درجات الميل تتفاوت تفاوتا عظيما فلذلك تتفاوت مدة مقامهم في النار إلى أوان الخلاص حتى لا يبقى بعضهم إلا بقدر تحلة القسم ويبقى بعضهم ألفا وألوف سنين فنسأل الله تعالى أن يقربنا من الاستقامة والعدل فإن الاشتداد على متن الصراط المستقيم من غير ميل عنه غير مطموع فيه فإنه أدق من الشعرة وأحد من السيف ولولاه لكان المستقيم عليه لا يقدر على جواز الصراط الممدود على متن النار الذي من صفته أنه أدق من الشعرة وأحد من السيف وبقدر الاستقامة على هذا الصراط المستقيم يخف العبد يوم القيامة على الصراط وكل من خلط بالطعام ترابا أو غيره ثم كاله فهو من المطففين في الكيل وكل قصاب وزن مع اللحم عظما لم تجر العادة بمثله فهو من المطففين في الوزن وقس على هذا سائر التقديرات حتى في الذرع الذي يتعاطاه البزاز فإنه إذا اشترى أرسل الثوب في وقت الذرع ولم يمده مدا وإذا باعه مده في الذرع ليظهر تفاوتا في القدر فكل ذلك من التطفيف المعرض صاحبه للويل .
الرابع أن يصدق في سعر الوقت ولا يخفي منه شيئا فقد نهى رسول الله A عن تلقي الركبان // حديث النهي عن تلقي الركبان متفق عليه من حديث ابن عباس وأبي هريرة // .
ونهى عن النجش // حديث النهي عن النجش متفق عليه من حديث ابن عمر وأبي هريرة // .
أما تلقي الركبان فهو أن يستقبل الرفقة ويتلقى المتاع ويكذب في سعر البلد فقد قال A لا تتلقوا الركبان ومن تلقاها فصاحب السلعة بالخيار بعد أن يقدم السوق وهذا الشراء منعقد ولكنه إن ظهر كذبه ثبت للبائع الخيار وإن كان صادقا ففي الخيار خلاف لتعارض عموم الخبر مع زوال التلبيس ونهى أيضا أن يبيع حاضر لباد // حديث النهي عن بيع الحاضر للبادي متفق عليه من حديث ابن عباس وأبي هريرة وأنس // .
وهو أن يقدم البدوي البلد ومعه قوت يريد أن يتسارع إلى بيعه فيقول له الحضري اتركه عندي حتى أغالي في ثمنه وأنتظر ارتفاع سعره وهذا في القوت محرم وفي سائر السلع خلاف والأظهر تحريمه لعموم النهي ولأنه تأخير للتضييق على الناس على الجملة من غير فائدة للفضولي المضيق ونهى رسول الله A عن النجش .
وهو أن يتقدم إلى البائع بين يدي الراغب المشتري ويطلب السلعة بزيادة وهو لا يريدها وإنما يريد تحريك رغبة المشتري فيها فهذا إن لم تجر مواطأة مع البائع فهو فعل حرام من صاحبه والبيع منعقد وإن جرى مواطأة ففي ثبوت الخيار خلاف والأولى إثبات الخيار لأنه تغرير بفعل يضاهي التغرير في المصراة وتلقي الركبان فهذه المناهي تدل على أنه لا يجوز أن يلبس على البائع والمشتري في سعر الوقت ويكتم منه أمرا لو علمه لما أقدم على العقد ففعل هذا من الغش الحرام المضاد للنصح الواجب فقد حكي عن رجل من التابعين أنه كان بالبصرة وله غلام بالسوس يجهز إليه السكر فكتب إليه غلامه إن قصب السكر قد أصابته آفة في هذه السنة فاشتر السكر قال فاشترى سكرا كثيرا فلما جاء وقته ربح فيه ثلاثين ألفا فانصرف إلى منزله فأفكر