أن البائع قد تملكه بغير إيجاب وقبول فإن ذلك لا يعرف تحقيقا فربما اشتراه بقبول وإيجاب فإن كان حاضرا عند شرائه أو أقر البائع به فيمتنع منه وليشتر من غيره فإن كان الشيء محقرا وهو إليه محتاج فليتلفظ بالإيجاب والقبول فإنه يستفيد به قطع الخصومة في المستقبل معه إذ الرجوع من اللفظ الصريح غير ممكن ومن الفعل ممكن .
فإن قلت فإن أمكن هذا فيما يشتريه فكيف يفعل إذا حضر في ضيافة أو على مائدة وهو يعلم أن أصحابها يكتفون بالمعاطاة في البيع والشراء أو سمع منهم ذلك أو رآه أيجب عليه الامتناع من الأكل فأقول يجب عليه الامتناع من الشراء إذا كان ذلك الشيء الذي اشتروه مقدارا نفيسا ولم يكن من المحقرات .
وأما الأكل فلا يجب الامتناع منه فإني أقول إن ترددنا في جعل الفعل دلالة على نقل الملك فلا ينبغي أن لا نجعله دلالة على الإباحة فإن أمر الإباحة أوسع وأمر نقل الملك أضيق فكل مطعوم جرى فيه بيع معاطاة فتسليم البائع إذن في الأكل يعلم ذلك بقرينة الحال كإذن الحمامي في دخول الحمام والإذن في الإطعام لمن يريده المشتري فينزل منزلة ما لو قال أبحت لك أن تأكل هذا الطعام أو تطعم من أردت فإنه يحل له ولو صرح وقال كل هذا الطعام ثم أغرم لي عوضه لحل الأكل ويلزمه الضمان بعد الأكل هذا قياس الفقه عندي ولكنه بعد المعاطاة آكل ملكه ومتلفا له فعليه الضمان وذلك في ذمته والثمن الذي سلمه إن كان مثل قيمته فقد ظفر المستحق بمثل حقه فله أن يتملكه مهما عجز عن مطالبة من عليه وإن كان قادرا على مطالبته فإنه لا يتملك ما ظفر به من ملكه لأنه ربما لا يرضى بتلك العين أن يصرفها إلى دينه فعليه المراجعة .
وأما ههنا فقد عرف رضاه بقرينة الحال عند التسليم فلا يبعد أن يجعل الفعل دلالة على الرضاء بأن يستوفي دينه مما يسلم إليه فيأخذه بحقه لكن على كل الأحوال جانب البائع أغمض لأن ما أخذه قد يريد المالك ليتصرف فيه ولا يمكنه التملك إلا إذا أتلف عين طعامه في يد المشتري ثم ربما يفتقر إلى استئناف قصد التملك ثم يكون قد تملك بمجرد رضا استفاده من الفعل دون القول .
وأما جانب المشتري للطعام وهو لا يريد إلا الأكل فهين فإن ذلك يباح بالإباحة المفهومة من قرينة الحال ولكن ربما يلزم من مشاورته أن الضيف يضمن ما أتلفه وإنما يسقط الضمان عنه إذا تملك البائع ما أخذه من المشتري فيسقط فيكون كالقاضي دينه والمتحمل عنه فهذا ما نراه في قاعدة المعاطاة على غموضها والعلم عند الله وهذه احتمالات وظنون رددناها ولا يمكن بناء الفتوى إلا على هذه الظنون وأما الورع فإنه ينبغي أن يستفتي قلبه ويتقي مواضع الشبه العقد الثاني عقد الربا .
وقد حرمه الله تعالى وشدد الأمر فيه ويجب الاحتراز منه على الصيارفة المتعاملين على النقدين وعلى المتعاملين على الأطعمة إذ لا ربا إلا في نقد أو في طعام .
وعلى الصيرفي أن يحترز من النسيئة والفضل .
أما النسيئة فأن لا يبيع شيئا من جواهر النقدين بشيء من جواهر النقدين إلا يدا بيد وهو أن يجري التقابض في المجلس وهذا احتراز من النسيئة وتسليم الصيارفة الذهب إلى دار الضرب وشراء الدنانير المضروبة حرام من حيث النساء ومن حيث إن الغالب أن يجري فيه تفاضل إذ لا يرد المضروب بمثل وزنه .
وأما الفضل فيحترز منه في ثلاثة أمور في بيع المكسر بالصحيح فلا تجوز المعاملة فيهما إلا مع المماثلة .
وفي بيع الجيد بالرديء فلا ينبغي أن يشتري رديئا بجيد دونه في الوزن أو يبيع رديئا بجيد فوقه في الوزن أعني إذا باع الذهب بالذهب والفضة بالفضة فإن اختلف الجنسان فلا حرج في الفضل .
والثالث في المركبات من الذهب والفضة كالدنانير المخلوطة من الذهب والفضة إن كان