مدفونة لا تنكشف إلا للموفقين وإليه أشار علي Bه بقوله ما أسر إلى رسول الله A شيئا كتمه عن الناس إلا أن يؤتى الله D عبدا فهما في كتابه فليكن حريصا على طلب ذلك الفهم // حديث علي ما أسر إلي رسول الله A شيئا كتمه عن الناس إلا أن يؤتي الله عبدا فهما في كتابه أخرجه النسائي من رواية أبي جحيفة قال سألنا عليا فقلنا هل عندكم من رسول الله A شيء سوى القرآن قال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يعطي الله عبدا فهما في كتابه الحديث وهو عند البخاري بلفظ هل عندكم من رسول الله A ما ليس في القرآن وفي رواية وقال مرة ما ليس عند الناس ولأبي داود والنسائي فقلنا هل عهد إليك رسول الله A شيئا لم يعهده إلى الناس قال لا إلا ما في كتابي هذا الحديث ولم يذكر الفهم في القرآن // وقال ابن مسعود Bه من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن وأعظم علوم القرآن تحت أسماء الله D وصفاته إذ لم يدرك أكثر الخلق منها إلا أمورا لائقة بأفهامهم ولم يعثروا على أغوارها .
وأما أفعاله تعالى فكذكره خلق السموات والأرض وغيرها فليفهم التالي منها صفات الله D وجلاله إذا الفعل يدل على الفاعل فتدل عظمته على عظمته فينبغي أن يشهد في العقل الفاعل دون الفعل فمن عرف الحق رآه في كل شيء إذ كل شيء فهو منه وإليه وبه وله فهو الكل على التحقيق ومن لا يراه في كل ما يراه فكأنه ما عرفه ومن عرفه عرف أن كل شيء ما خلا الله باطل وأن كل شيء هالك إلا وجهه لا أنه سيبطل في ثاني الحال بل هو الآن باطل إن اعتبر ذاته من حيث هو إلا أن يعتبر وجوده من حيث إنه موجود بالله D وبقدرته فيكون له بطريق التبعية ثبات وبطريق الاستقلال بطلان محض وهذا مبدأ من مبادىء علم المكاشفة ولهذا ينبغي إذا قرأ التالي قوله D أفرأيتم ما تحرثون أفرأيتم ما تمنون أفرأيتم الماء الذي تشربون أفرأيتم النار التي تورون فلا يقصر نظره على الماء والنار والحرث والمني بل يتأمل في المني وهو نطفة متشابهة الأجزاء ثم ينظر في كيفية انقسامها إلى اللحم والعظم والعروق والعصب وكيفية تشكل أعضائها بالأشكال المختلفة من الرأس واليد والرجل والكبد والقلب وغيرها ثم إلى ما ظهر فيها من الصفات الشريفة من السمع والبصر والعقل وغيرها ثم إلى ما ظهر فيها من الصفات المذمومة من الغضب والشهوة والكبر والجهل والتكذيب والمجادلة كما قال تعالى أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين فليتأمل هذه العجائب ليترقى منها إلى عجب العجائب وهو الصفة التي منها صدرت هذه الأعاجيب فلا يزال ينظر إلى الصنعة فيرى الصانع .
وأما أحوال الأنبياء عليهم السلام فإذا سمع منها كيف كذبوا وضربوا وقتل بعضهم فليفهم منه صفة الاستغناء لله D عن الرسل والمرسل إليهم وأنه لو أهلك جميعهم لم يؤثر في ملكه شيئا وإذا سمع نصرتهم في آخر الأمر فليفهم قدرة الله D وإرادته لنصرة الحق .
وأما أحوال المكذبين كعاد وثمود وما جرى عليهم فليكن فهمه منه استشعار الخوف من سطوته ونقمته وليكن حظه منه الاعتبار في نفسه وأنه إن غفل وأساء الأدب واغتر بما أمهل فربما تدركه النقمة وتنفذ فيه القضية وكذلك إذا سمع وصف الجنة والنار وسائر ما في القرآن فلا يمكن استقصاء ما يفهم منه لأن ذلك لا نهاية له وإنما لكل عبد بقدر رزقه فلا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ولذلك قال علي Bه لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا من تفسير فاتحة الكتاب .
فالغرض مما ذكرناه التنبيه على طريق التفهيم لينفتح بابه فأما الاستقصاء فلا مطمع فيه ومن لم يكن له فهم ما في القرآن ولو في أدنى الدرجات دخل في قوله تعالى ومنهم من يستمع إليك حتى إذا