والذي يتفرج في المتنزهات لا يتفكر في غيرها فقد قيل إن في القرآن ميادين وبساتين ومقاصير وعرائس وديابيج ورياضا وخانات فالميمات ميادين القرآن والراءات بساتين القرآن والحاءات مقاصيره والمسبحات عرائس القرآن والحاميمات ديابيج القرآن والمفصل رياضه والخانات ما سوى ذلك فإذا دخل القارىء الميادين وقطف من البساتين ودخل المقاصير وشهد العرائس ولبس الديابيج وتنزه في الرياض وسكن غرف الخانات استغرقه ذلك وشغله عما سواه فلم يعزب قلبه ولم يتفرق فكره .
الرابع التدبر وهو وراء حضور القلب فإنه قد لا يتفكر في غير القرآن ولكنه يقتصر على سماع القرآن من نفسه وهو لا يتدبره .
والمقصود من القراءة التدبر ولذلك سن لأن الترتيل فيه الترتيل في الظاهر ليتمكن من التدبر بالباطن .
قال علي Bه لا خير في عبادة لا فقه فيها ولا في قراءة لا تدبر فيها .
وإذا لم يتمكن من التدبر إلا بترديد فليردد إلا أن يكون خلف إمام فإنه لو بقي في تدبر آية وقد اشتغل الإمام بآية أخرى كان مسيئا مثل من يشتغل بالتعجب من كلمة واحدة ممن يناجيه عن فهم بقية كلامه وكذلك إن كان في تسبيح الركوع وهو متفكر في آية قرأها إمامه فهذا وسواس فقد روى عن عامر بن عبد قيس أنه قال الوسواس يعتريني في الصلاة فقيل في أمر الدنيا فقال لأن تختلف في الأسنة أحب إلي من ذلك ولكن يشتغل قلبي بموقفي بين يدي ربي D وأنى كيف انصرف فعد ذلك وسواسا وهو كذلك فإنه يشغله عن فهم ما هو فيه والشيطان لا يقدر على مثله إلا بأن يشغله بمهم ديني ولكن يمنعه به عن الأفضل ولما ذكر ذلك للحسن قال إن كنتم صادقين عنه فما اصطنع الله ذلك عندنا ويروى أنه A قرأ بسم الله الرحمن الرحيم فرددها عشرين مرة // حديث أنه قرأ بسم الله الرحمن الرحيم فرددها عشرين مرة رواه أبو ذر الهروي في معجمه من حديث أبي هريرة بسند ضعيف // وإنما رددها A لتدبره في معانيها .
وعن أبي ذر قال قام رسول الله A بنا ليلة فقام بآية يرددها وهي إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم // حديث أبي ذر قام رسول الله A فينا ليلة بآية يرددها وهي إن تعذبهم فإنهم عبادك أخرجه النسائي وابن ماجه بسند صحيح // الآية وقام تميم الداري ليلة بهذه الآية أم حسب الذين اجترحوا السيئات الآية .
وقام سعيد بن جبير ليلة يردد هذه الآية وامتازوا اليوم أيها المجرمون وقال بعضهم إني لأفتتح السورة فيوقفني بعض ما أشهد فيها عن الفراغ منها حتى يطلع الفجر وكان بعضهم يقول آية لا أتفهمها ولا يكون قلبي فيها لا أعد لها ثوابا وحكي عن أبي سليمان الداراني أنه قال إني لأتلو الآية فأقيم فيها أربع ليال أو خمس ليال ولولا أني أقطع الفكر فيها ما جاوزتها إلى غيرها .
وعن بعض السلف أنه بقي في سورة هود ستة أشهر يكررها ولا يفرغ من التدبر فيها .
وقال بعض العارفين لي في كل جمعة ختمة وفي كل شهر ختمة وفي كل سنة ختمة ولي ختمة منذ ثلاثين سنة ما فرغت منها بعد وذلك بحسب درجات تدبره وتفتيشه وكان هذا أيضا يقول أقمت نفسي مقام الأجراء فأنا أعمل مياومة ومجامعة ومشاهرة ومسانهة .
الخامس التفهم وهو أن يستوضح من كل آية ما يليق بها إذ القرآن يشتمل على ذكر صفات الله D وذكر أفعاله وذكر أحوال الأنبياء عليهم السلام وذكر أحوال المكذبين لهم وأنهم كيف أهلكوا وذكر أوامره وزواجره وذكر الجنة والنار .
أما صفات الله D فكقوله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وكقوله تعالى الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر فليتأمل معاني هذه الأسماء والصفات لينكشف له أسرارها فتحتها معان