جملة الصفات المهلكات وجملة الصفات المنجيات وجملة المعاصي والطاعات ويعرض نفسه عليها كل يوم .
ويكفيه من المهلكات النظر في عشرة فإنه إن سلم منها سلم من غيرها وهي البخل والكبر والعجب والرياء والحسد وشدة الغضب وشره الطعام وشره الوقاع وحب المال وحب الجاه .
ومن المنجيات عشرة الندم على الذنوب والصبر على البلاء والرضا بالقضاء والشكر على النعماء واعتدال الخوف والرجاء والزهد في الدنيا والإخلاص في الأعمال وحسن الخلق مع الخلق وحب الله تعالى والخشوع له .
فهذه عشرون خصلة عشرة مذمومة وعشرة محمودة فمهما كفى من المذمومات واحدة فيخط عليها في جريدته ويدع الفكر فيها ويشكر الله تعالى على كفايته إياها وتنزيه قلبه عنها ويعلم أن ذلك لم يتم إلا بتوفيق الله تعالى وعونه ولو وكله إلى نفسه لم يقدر على محو أقل الرذائل عن نفسه فيقبل على التسعة الباقية وهكذا يفعل حتى يخط على الجميع وكذا يطالب نفسه بالاتصاف بالمنجيات فإذا اتصف بواحدة منها كالتوبة والندم مثلا خطعليها واشتغل بالباقي وهذا يحتاج إليه المريد المشمر .
وأما أكثر الناس من المعدودين من الصالحين فينبغي أن يثبتوا في جرائدهم المعاصي الظاهرة كأكل الشبهة وإطلاق اللسان بالغيبة والنميمة والمراء والثناء على النفس والإفراط في معاداة الأعداء وموالاة الأولياء والمداهنة مع الخلق في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن أكثر من يعد نفسه من وجوه الصالحين لا ينفك عن جملة من هذه المعاصي في جوارحه وما لم يظهر الجوارح عن الآثام لا يمكن الاشتغال بعمارة القلب وتطهيره .
بل كل فريق من الناس يغلب عليهم نوع من المعصية فينبغي أن يكون تفقدهم لها وتفكرهم فيها لا في معاص هم بمعزل عنها .
مثاله العالم الورع فإنه لا يخلو في غالب الأمر عن إظهار نفسه بالعلم وطلب الشهرة وانتشار الصيت إما بالتدريس أو بالوعظ ومن فعل ذلك تصدى لفتنة عظيمة لا ينجو منها إلا الصديقون فإنه إن كان كلامه مقبولا حسن الوقع في القلوب لم ينفك عن الإعجاب والخيلاء والتزين والتصنع وذلك من المهلكات وإن رد كلامه لم يخل عن غيظ وأنفة وحقد على من يرده وهو أكثر من غيظه على من يرد كلام غيره وقد يلبس الشيطان عليه ويقول إن غيظك من حيث إنه رد الحق وأنكره فإن وجد تفرقة بين أن يرد عليه كلامه أو يرد على عالم آخر فهو مغرور وضحكة للشيطان ثم مهما كان له ارتياح بالقبول وفرح بالثناء واستنكاف من الرد أو الإعراض لم يخل عن تكلف وتصنع لتحسين اللفظ والإيراد حرصا على استجلاب الثناء والله لا يحب المتكلفين والشيطان قد يلبس عليه ويقول إنما حرصك على تحسين الألفاظ والتكلف فيها لينتشر الحق ويحسن موقعه في القلب إعلاء لدين الله .
فإن كان فرحه بحسن ألفاظه وثناء الناس عليه أكثر من فرحه بثناء الناس على واحد من أقرانه فهو مخدوع وإنما يدور حول طلب الجاه وهو يظن أن مطلبه الدين ومهما اختلج ضميره بهذه الصفات ظهر على ظاهره ذلك حتى يكون للموقر له المعتقد لفضله أكثر احتراما ويكون بلقائه أشد فرحا واستبشارا ممن يغلو في موالاة غيره وإن كان ذلك الغير مستحقا للموالاة وربما ينتهي الأمر بأهل العلم إلى أن يتغايروا تغاير النساء فيشق على أحدهم أن يختلف بعض تلامذته إلى غيره وإن كان يعلم أنه منتفع بغيره ومستفيد منه في دينه .
وكل ذلك رشح الصفات المهلكات المستكنة في سر القلب التى قد يظن العالم النجاة منها وهو مغرور فيها وإنما ينكشف ذلك بهذه العلامات ففتنة العالم عظيمة وهو إما مالك وإماهالك ولا مطمع له في سلامة العوام .
فمن أحس في نفسه بهذه الصفات فالواجب عليه العزلة والانفراد وطلب الخمول والمدافعة للفتاوي مهما سئل