من الخلق بل تتوصلين إلى غرضك في ذلك بجميع الحيل وبهذا الجهل تستحقين لقب الحماقة من رسول الله A حيث قال الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والأحمق من أتبع نفسههواها وتمنى على الله الأمانى .
ويحك يا نفس لا ينبغى أن تغرك الحياة الدنيا ولا يغرنك بالله الغرور فانظرى لنفسك فما أمرك بمهم لغيرك ولا تضيعى أوقاتك فالأنفاس معدودة فإذا مضى منك نفس فقد ذهب بعضك فاغتنمى الصحة قبل السقم والفراغ قبل الشغل والغنى قبل الفقر والشباب قبل الهرم والحياة قبل الموت واستعدي للآخرة على قدر بقائك فيها يا نفس أما تستعدين للشتاء بقدر طول مدته فتجمعين له القوت والكسوة والحطب وجميع الأسباب ولا تتكلين في ذلك على فضل الله وكرمه حتى يدفع عنك البرد من غير جبة ولبد وحطب وغير ذلك فإنه قادر على ذلك أفتظنين أيتها النفس أن زمهرير جهنم أخف بردا وأقصر مدة من زمهرير الشتاء أم تظنين أن ذلك دون هذا كلا أن يكون هذا كذلك أو أن يكون بينهما مناسبة في الشدة والبرودة أفتظنين أن العبد ينجو منها يغير سعى هيهات كما لا يندفع برد الشتاء إلا بالجبة والنار وسائر الأسباب فلا يندفع حر النار وبردها إلا بحصن التوحيد وخندق الطاعات وإنما كرم الله تعالى فى أن عرفك طريق التحصن ويسر لك أسبابه لا فى أن يندفع عنك العذاب دون حصنه كما أن كرم الله تعالى فى دفع برد الشتاء أن خلق النار وهداك لطريق استخراجها من بين حديدة وحجر حتى تدفعى بها برد الشتاء عن نفسك وكما ان شراه الحطب والجبة مما يستغنى عنه خالقك ومولاك وإنما تشترينه لنفسك إذ خلقه سببا لاستراحتك فطاعاتك ومجاهداتك أيضا هو مستغن عنها وإنما هى طريقك إلى نجاتك فمن أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها والله غنى عن العالمين .
ويحك يا نفس انزعى عن جهلك وقيسى آخرتك بدنياك فما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة و كما بدأنا أول خلق نعيده و كما بدأكم تعودون وسنة الله تعالى لا تجدين لها تبديلا ولا تحويلا ويحك يا نفس ما أراك إلا ألفت الدنيا وأنست بها فعسر عليك مفارقتها وأنت مقبلة على مقاربتها وتؤكدين في نفسك مودتها فاحسن أنك غافلة عن عقاب الله وثوابه وعن أهوال القيامة وأحوالها فما أنت مؤمنة بالموت المفرق بينك وبين محابك أفترين أن من يدخل دار ملك ليخرج من الجانب الآخر فمد بصره إلى وجه مليح يعلم أنه يستغرق ذلك قلبه ثم يضطر لا محالة إلى مفارقته أهو معدود من العقلاء أم من الحمقى أما تعلمين أن الدنيا دار لملك الملوك ومالك فيها إلا مجاز وكل ما فيها لا يصحب المجتازين بها بعد الموت ولذلك قال سيد البشر Aإن روح القدس نفث في روعى أحبب من أحببت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزى به وعش ما شئت فإنك ميت // حديث إن روح القدس نفث في روعى أحبب من أحببت فإنك مفارقه الحديث تقدم في العلم وغيره // ويحك يا نفس أتعلمين أن كل من يلتفت إلى ملاذ الدنيا ويأنس بها مع أن الموت من ورائه فإنما يستكثر من الحسرة عند المفارقة وإنما يتزود من السم المهلك وهو لا يدرى أو ما تنظرين إلى الذين مضوا كيف بنوا وعلوا ثم ذهبوا وخلوا وكيف أورث الله أرضهم وديارهم أعداءهم أما ترينهم كيف يجمعون ما لا يأكلون ويبنون ما لا يسكنون ويؤملون ما لا يدركون يبنى كل واحد قصرا مرفوعا إلى جهة السماء ومقره قبر محفور تحت الأرض فهل في الدنيا حمق وانتكاس أعظم من هذا يعمر الواحد دنياه وهو مرتحل عنها يقينا ويخرب آخرته وهو صائر إليها قطعا .
أما تستحيين يا نفس من مساعدة هؤلاء الحمقى على حماقتهم واحسبى أنك لست ذات بصيرةتهتدى إلى هذه الأمور وإنما تميلين بالطبع إلى التشبه والاقتداء فقيسى عقل الأنبياء والعلماء