الأولياء أقل عندك من قول صبى من جملة الأغبياء أم صار حر جهنم وأغلالها وأنكالها وزقومها ومقامعها وصديدها وسمومها وأفاعيها وعقاربها أحقر عندك من عقرب لا تحسين بألمها إلا يوما أو أقل منه ما هذه أفعال العقلاء بل لو انكشف للبهائم حالك لضحكوا منك وسخروا من عقلك فإن كنت يا نفس قد عرفت جميع ذلك وآمنت به فما لك تسوفين العمل والموت لك بالمرصاد ولعله يختطفك من غير مهلة فبماذا أمنت استعجال الأجل وهبك أنك وعدت بالإمهال مائة سنة أفتظنين أن من يطعم الدابة في حضيض العقبة يفلح ويقدر على قطع العقبة بها إن ظننت ذلك فما أعظم جهلك أرأيت لو سافر رجل ليتفقه في الغربة فأقام فيها سنين متعطلا بطالا يعد نفسه بالتفقه فى السنة الأخيرة عند رجوعه إلى وطنه هل كنت تضحكين من عقله وظنه أن تفقيه النفس مما يطمع فيه بمدة قريبة أو حسبانه أن مناصب الفقهاء تنال من غير تفقه اعتمادا على كرم الله سبحانه وتعالى ثم هبى أن الجهد في آخر العمر نافع وأنه موصل إلى الدرجات العلا فلعل اليوم آخر عمرك فلم تشتغلين فيه بذلك فإن أوحى إليك بالإمهال فما المانع من المبادرة وما الباعث لك على التسويف هل له سبب إلا عجزك عن مخالفة شهواتك لما فيها من التعب والمشقة أفتنتظرين يوما يأتيك لا تعسر فيه مخالفة الشهوات هذا يوم لم يخلقه الله قط ولا يخلقه فلا تكون الجنة قط إلا محفوفة بالمكاره ولا تكون المكاره قط خفيفة على النفوس وهذا محال وجوده أما تتأملين مذ كم تعدين نفسك وتقولين غدا غدا فقد جاء الغد وصار يوما فكيف وجدته أما علمت أن الغد الذى جاء وصار يوما كان له حكم الأمس لا بل الذى تعجزين عنه اليوم فأنت غدا عنه أعجز وأعجز لأن الشهوة كالشجرة الراسخة التى تعبد العبد بقلعها فإذا عجز العبد عن قلعها للضعف وأخرها كان كمن عجز عن قلع شجرة وهو شاب قوى فأخرها إلى سنة أخرى مع العلم بأن طول المدة يزيد الشجرة قوة ورسوخا ويزيد القالع ضعفا ووهنا فما لا يقدر عليه في الشباب لا يقدر عليه قط فى المشيب بل من العناء رياضة الهرم ومن التعذيب تهذيب الذيب .
والقضيب الرطب يقبل الانحناء فإذا جف وطال عليه الزمان لم يقبل ذلك فإذا كنت أيتها النفس لا تفهمين هذه الأمور الجلية وتركنين إلى التسويف فما بالك تدعين الحكمة وأية حماقة تزيد على هذه الحماقة .
ولعلك تقولين ما يمنعنى عن الاستقامة إلا حرصى على لذة الشهوات وقلة صبرى على الآلام والمشقات فما أشد غباوتك وأقبح اعتذارك إن كنت صادقة في ذلك فاطلبى التنعم بالشهوات الصافية عن الكدورات الدائمة أبد الآباد ولا مطمع في ذلك إلا في الجنة فإن كنت ناظرة لشهوتك فالنظر لها في مخالفتها قرب أكلة تمنع أكلات .
وما قولك في عقل مريض أشار عليه الطبيب بترك الماء البارد ثلاثة أيام ليصح ويهنأ بشربة طول عمره وأخبره أنه إن شرب ذلك مرض مرضا مزمنا وامتنع عليه شربه طول العمر فما مقتضى العقل في قضاء حق الشهوة أيصبر ثلاثة أيام ليتنعم طول العمر أم يقضى شهوته في الحال خوفا من ألم المخالفة ثلاثة أيام حتى يلزمه ألم المخالفة ثلثمائة يوم وثلاثة آلاف يوم وجميع عمرك بالإضافة إلى الأبد الذى هو مدة نعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار أقل من ثلاثة أيام بالإضافة إلى جميع العمر وإن طالت مدته .
وليت شعرى ألم الصبر عن الشهوات أعظم شدة وأطول مدة أو ألم النار في دركات جهنم فمن لا يطيق الصبر على ألم المجاهدة كيف يطيق ألم عذاب الله ما أراك تتوانين عن النظر لنفسك إلا لكفر خفى أو لحمق جلى .
أما الكفر الخفى فهو ضعف إيمانك بيوم الحساب وقلة معرفتك بعظم قدر الثواب والعقاب .
وأما الحمق الجلى فاعتمادك على كرم الله تعالى وعفوه من غير التفات إلى مكره واستدراجه واستغنائه عن عبادتك مع أنك لا تعتمدين على كرمه في لقمة من الخبز أو حبة من المال أو كلمة واحدة تسمعينها