وقادح فيه كما ورد في الإنجيل إذا تصدقت فتصدق بحيث لا تعلم شمالك ما صنعت يمينك .
فالذي يرى الخفيات يجزيك علانية وإذا صمت فاغسل وجهك وادهن رأسك لئلا يعلم بذلك غير ربك .
فإظهار القول والفعل كله مذموم إلا إذا غلب سكر الحب فانطلق اللسان واضطربت الأعضاء فلا يلام فيه صاحبه .
حكى أن رجلا رأى من بعض المجانين ما أستجهله فيه فأخبر بذلك معروفا الكرخي C فتبسم ثم قال يا أخي له محبون صغار وكبار وعقلاء ومجانين فهذا الذى رأيته من مجانينهم .
ومما يكره التظاهر بالحب بسبب أن المحب إن كان عارفا وعرف أحوال الملائكة في حبهم الدائم وشوقهم اللازم الذى به يسبحون الليل والنهار لا يفترون ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون لاستنكف من نفسه ومن إظهار حبه وعلم قطعا أنه من أخس المحبين في مملكته وأن حبه أنقص من حب كل محب لله .
قال بعض الكاشفين من المحبين عبدت الله تعالى ثلاثين سنة بأعمال القلوب والجوارح على بذل المجهود واستفراغ الطاقة حتى ظننت أن لى عند الله شيئا فذكر أشياء من مكاشفات آيات السموات في قصة طويلة قال في آخرها فبلغت صفا من الملائكة بعدد جميع ما خلق الله من شيء فقلت من أنتم فقالوا نحن المحبون لله D نعبده ههنا منذ ثلثمائة ألف سنة ما خطر على قلوبنا قط سواه ولا ذكرنا غيره قال فاستحييت من أعمالى فوهبتها لمن حق عليه الوعيد تخفيفا عنه في جهنم .
فإذن من عرف نفسه وعرف ربه واستحيا منه حق الحياء خرس لسانه عن التظاهر بالدعوى .
نعم يشهد على حبه حركاته وسكناته وإقدامه وإحجامه وتردداته كما حكى عن الجنيد أنه قال مرض أستاذنا السرى C فلم نعرف لعلته دواء ولا عرفنا لها سببا فوصف لنا طبيب حاذق فأخذ قارورة مائه فنظر إليها الطبيب وجعل ينظر إليه مليا ثم قال لي أراه بول عاشق قال الجنيد فصعقت وغشى على ووقعت القارورة من يدى ثم رجعت إلى السرى فأخبرته فتبسم قال قاتله الله ما أبصره قلت يا أستاذ وتبين المحبة في البول قال نعم .
وقد قال السرى مرة لو شئت أقول ما أيبس جلدى على عظمى ولا سل جسمى إلا حبه ثم غشى عليه .
وتدل الغشية على أنه أفصح في غلبة الوجد ومقدمات الغشية فهذه مجامع علامات الحب وثمراته .
ومنها الإنس والرضا كما سيأتي .
وبالجملة جميع محاسن الدين ومكارم الأخلاق ثمرة الحب وما لا يثمره الحب فهو اتباع الهوى وهو من رذائل الأخلاق .
نعم قد يحب الله لإحسانه إليه وقد يحبه لجلاله وجماله وإن لم يحسن إليه .
والمحبون لا يخرجون عن هذين القسمين ولذلك قال الجنيد الناس في محبة الله تعالى عام وخاص فالعوام نالوا ذلك بمعرفتهم في دوام إحسانه وكثرة نعمه فلم يتمالكوا أن أرضوه إلا أنهم تقل محبتهم وتكثر على قدر النعم والإحسان فأما الخاصة فنالوا المحبة بعظم القدر والقدرة والعلم والحكمة والتفرد بالملك .
ولما عرفوا صفاته الكاملة وأسماءه الحسنى لم يمتنعوا أن أحبوه إذ استحق عندهم المحبة بذلك لأنه أهل لها ولو أزال عنهم جميع النعم نعم من الناس من يحب هواه .
وعدو الله إبليس وهو مع ذلك يلبس على نفسه بحكم الغرور والجهل فيظن أنه محب لله D وهو الذى فقدت فيه هذه العلامات أو يلبس بها نفاقا ورياء وسمعة وغرضه عاجل حظ الدنيا وهو يظهر من نفسه خلاف ذلك كعلماء السوء وقراء السوء أولئك بغضاء الله في أرضه .
وكان سهل إذا تكلم مع إنسان قال يا دوست أى يا حبيب فقيل له قد لا يكون حبيبا فكيف تقول هذا فقال في أذن القائل سرا لا يخلو إما أن يكون مؤمنا أو منافقا فإن كان مؤمنا فهو حبيب الله D وإن كان منافقا فهو حبيب إبليس وقد