تروح بعز مفرد من صفاته ... وفى حلل التوحيد تمشى وترفل .
ومن بعد هذا ما تدق صفاته ... وما كتمه أولى لديه وأعدل .
سأكتم من علمى به ما يصونه ... وأبذل منه ما أرى الحق يبذل .
وأعطى عباد الله منه حقوقهم ... وأمنع منه ما أرى المنع يفضل .
على أن للرحمن سرا يصونه ... إلى أهله في السر والصون أجمل .
وأمثال هذه المعارف التى إليها الإشارة لا يجوز أن يشترك الناس فيها ولا يجوز أن يظهرها من انكشف له شيء من ذلك لمن لم ينكشف له بل لو اشترك الناس فيها لخربت الدنيا فالحكمة تقتضى شمول الغفلة لعمارة الدنيا بل لو أكل الناس كلهم الحلال أربعين يوما لخربت الدنيا لزهدهم فيها وبطلت الأسواق والمعايش بل لو أكل العلماء الحلال لاشتغلوا بأنفسهم ولوقفت الألسنة والأقلام عن كثير مما انتشر من العلوم ولكن لله تعالى فيما هو شر في الظاهر أسرار وحكم كما أن له في الخير أسرارا وحكما ولا منتهى لحكمته كما لا غاية لقدرته .
ومنها كتمان الحب واجتناب الدعوى والتوقى من إظهار الوجد والمحبة تعظيما للمحبوب وإجلالا له وهيبة منه وغيرة على سره فإن الحب سر من أسرار الحبيب ولأنه قد يدخل في الدعوى ما يتجاوز حد المعنى ويزيد عليه فيكون ذلك من الافتراء وتعظم العقوبة عليه في العقبى وتتعجل عليه البلوى في الدنيا .
نعم قد يكون للمحب سكرة في حبه حتى يدهش فيه وتضطرب أحواله فيظهر عليه حبه فإن وقع ذلك عن غير تمحل أو اكتساب فهو معذور لأنه مقهور وربما تشتعل من الحب نيرانه فلا يطاق سلطانه وقد يفيض القلب به فلا يندفع فيضانه .
فالقادر على الكتمان يقول .
وقالوا قريب قلت .
ما أنا صانع ... بقرب شعاع الشمس لو كان في حجرى .
فمالى منه غير ذكر بخاطر ... يهيج نار الحب والشوق في صدري .
والعاجز عنه يقول .
يخفى فيبدى الدمع أسراره ... ويظهر الوجد عليه النفس .
ويقول أيضا .
ومن قلبه مع غيره كيف حاله ... ومن سره في جفنه كيف يكتم .
وقد قال بعض العارفين أكثر الناس من الله بعدا أكثرهم إشارة به .
كأنه أراد من يكثر التعريض به في كل شيء ويظهر التصنع بذكره عند كل أحد فهو ممقوت عند المحبين والعلماء بالله D ودخل ذو النون المصرى على بعض إخوانه ممن كان يذكر المحبة فرآه مبتلى ببلاء فقال لا يحبه من وجد ألم ضره فقال الرجل لكنى أقول لا يحبه من لم يتنعم بضره فقال ذو النون ولكنى أقول لا يحبه من شهر نفسه بحبه فقال الرجل أستغفر الله وأتوب إليه .
فإن قلت المحبة منتهى المقامات وإظهارها إظهار للخير فلماذا يستنكر فاعلم أن المحبة محمودة وظهورها محمود أيضا وإنما المذموم التظاهر بها لما يدخل فيها من الدعوى والاستكبار وحق المحب أن ينم على حبه الخفى أفعاله واحواله دون أقواله وأفعاله .
وينبغى أن يظهر حبه من غير قصد منه إلى إظهار الحب ولا إلى إظهار الفعل الدال على الحب بل ينبغى أن يكون قصد المحب اطلاع الحبيب فقط فأما إرادته إطلاع غيره فشرك في الحب