عشرين سنة .
وقال الجنيد علامة المحب دوام النشاط والدعوب بشهوة تفتر بدنه ولا تفتر قلبه وقال بعضهم العمل على المحبة لا يدخله الفتور .
وقال بعض العلماء والله ما اشتفى محب لله من طاعته ولو حل بعظيم الوسائل .
فكل هذا وأمثاله موجود في المشاهدات فإن العاشق لا يستثقل السعي في هوى معشوقه ويستلذ خدمته بقلبه وان كان شاقا على بدنه ومهما عجز بدنه كان احب الاشياء اليه ان تعاوده القدرة وان يفارقه العجز حتى يشغل به فهكذا يكون حب الله تعالى فإن كل حب صار غالبا قهر لا محالة ماهو دونه فمن كان محبوبه احب اليه من الكسل ترك الكسل في خدمته وان كان احب اليه من المال ترك المال في حبه .
وقيل لبعض المحبين وقد كان بذل نفسه وماله حتى لم يبق له شيء ما كان سبب حالك هذه في المحبة فقال سمعت يوما محبا وقد خلا بمحبوبه وهو يقول انا والله احبك بقلبي كله وانت معرض عني بوجهك كله فقال له المحبوب ان كنت تحبني فايش تنفق علي قال يا سيدي املكك ما املك ثم انفق عليك روحي حتى تهلك فقلت هذا خلق لخلق وعبد لعبد فكيف بعبيد لمعبود فكل هذا بسببه .
ومنها ان يكون مشفقا على جميع عباد الله رحيما بهم شديدا على جميع اعداء الله وعلى كل من يقارف شيئا مما يكرهه كما قال الله تعالى أشداء على الكفار رحماء بينهم ولا تأخذه لومة لائم ولا يصرفه عن الغضب لله صارف وبه وصف الله أولياءه اذ قال الذين يكلفون بحبي كما يكلف الصبي بالشيء ويأوون الى ذكرى كما يأوى النسر الي وكره ويغضبون لمحارمه كما يغضب النمر اذا حرد فانه لا يبالي قل الناس او كثروا فانظر الى هذا المثال فإن الصبي اذا كلف بالشيء لم يفارقه اصلا وان اخذ منه لم يكن له شغل الا البكاء والصياح حتى يرد اليه فان نام اخذه معه في ثيابه فاذا انتبه عاد وتمسك به ومهما فارقه بكى ومهما وجده ضحك ومن نازعه فيه ابغضه ومن اعطاه احبه وأما النمر فانه لا يملك نفسه عند الغضب حتى يبلغ من شدة غضبه انه يهلك نفسه فهذه علامات المحبة فمن تمت فيه هذه العلامات فقد تمت محبته وخلص حبه فصفا في الآخرة شرابه وعذب مشربه ومن امتزج بحبه حب غير الله تنعم في الآخرة بقدر حبه إذ يمزج شرابه بقدر من شراب المقربين كما قال تعالى في الابرار إن الأبرار لفى نعيم ثم قال يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون فإذا طاب شراب الأبرار لشوب الشراب الصرف الذى هو للمقربين .
والشراب عبارة عن جملة نعيم الجنان كما أن الكتاب عبر به عن جميع الأعمال فقال إن كتاب الأبرار لفى عليين ثم قال يشهده المقربون فكان أمارة علو كتابهم أنه ارتفع إلى حيث يشهده المقربون وكما أن الأبرار يجدون المزيد في حالهم ومعرفتهم بقربهم من المقربين ومشاهدتهم لهم فكذلك يكون حالهم في الآخرة ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة كما بدأنا أول خلق نعيده وكما قال تعالى جزاء وفاقا أى وافق الجزاء أعمالهم فقوبل الخالص بالصرف من الشراب وقوبل المشوب بالمشوب .
وشوب كل شراب على قدر ما سبق من الشوب في حبه وأعماله فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره و إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها وإن كان مثقال حبة من خردل اتينا بها وكفى بنا حاسبين فمن كان حبه في الدنيا رجاءه لنعيم الجنة والحور العين والقصور مكن من الجنة ليتبوأ منها حيث يشاء فيلعب مع الولدان ويتمتع بالنسوان فهناك تنتهى لذته في الآخرة لأنه إنما يعطى كل إنسان في المحبة ما تشتهيه نفسه وتلذ عينه .
ومن كان مقصده رب الدار ومالك الملك ولم يغلب عليه إلا حبه بالإخلاص والصدق أنزل في مقعد