الفقراء أن لمن صبر واحتسب منكم ثلاث خصال ليست للأغنياء أما خصلة واحدة فإن فى الجنة غرفا ينظر إليها أهل الجنة كما ينظر أهل الأرض إلى نجوم السماء لا يدخلها إلا نبى فقير أو شهيد فقير أو مؤمن فقير والثانية يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم وهو خمسمائة عام والثالثة إذا قال الغنى سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وقال الفقير مثل ذلك لم يلحق الغنى بالفقير ولو أنفق فيها عشرة آلاف درهم وكذلك أعمال البر كلها فرجع إليهم فأخبرهم بما قال رسول الله A فقالوا رضينا رضينا // حديث زيد بن أسلم عن أنس بعث الفقراء إلى رسول الله A رسولا إن الأغنياء ذهبوا بالجنة يحجون ولا نقدر عليه الحديث وفيه بلغ عني الفقراء أن لمن صبر واحتسب منكم ثلاث خصال ليست للأغنياء الحديث لم أجده هكذا بهذا السياق والمعروف في هذا المعنى ورواه ابن ماجه من حديث ابن عمر اشتكى فقراء المهاجرين إلى رسول الله A ما فضل الله به عليهم أغنياءهم فقال يا معشر الفقراء ألا أبشركم إن فقراء المؤمنين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم خمسمائة عام وإسناده ضعيف // فهذا يدل على أن قوله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء أى مزيد ثواب الفقراء على ذكرهم وأما قوله إن الغنى وصف الحق فقد أجابه بعض الشيوخ فقال أترى أن الله تعالى غنى بالأسباب والأعراض فانقطع ولم ينطق وأجاب آخرون فقالوا إن التكبر من صفات الحق فينبغى أن يكون أفضل من التواضع ثم قالوا بل هذا يدل على أن الفقر أفضل لأن صفات العبودية فضل للعبد كالخوف والرجاء وصفات الربوبية لا ينبغى أن ينازع فيها ولذلك قال تعالى فيما روى عنه نبينا A الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما قصمته // حديث قال الله تعالى الكبرياء ردائي والعظمة إزاري تقدم في العلم وغيره // .
وقال سهل حب العز والبقاء شرك فى الربوبية ومنازعة فيها لأنهما من صفات الرب تعالى فمن هذا الجنس تكلموا في تفضيل الغنى والفقر وحاصل ذلك تعلق بعمومات تقبل التأويلات وبكلمات قاصرة لا تبعد مناقضتها إذ كما يناقض قول من فضل الغنى بأنه صفة الحق بالتكبر فكذلك يناقض قول من ذم الغنى لأنه وصف للعبد بالعلم والمعرفة فإنه وصف الرب تعالى والجهل والغفلة وصف العبد وليس لأحد أن يفضل الغفلة على العلم فكشف الغطاء عن هذا هو ما ذكرناه فى كتاب الصبر وهو أن ما لا يراد لعينه بل يراد لغيره فينبغى أن يضاف إلى مقصوده إذ به يظهر فضله والدنيا ليست محذورة لعينها ولكن لكونها عائقة عن الوصول إلى الله تعالى ولا الفقر مطلوبا لعينه لكن لأن فيه فقد العائق عن الله تعالى وعدم الشاغل عنه وكم من غنى لم يشغله الغنى عن الله D مثل سليمان عليه السلام وعثمان وعبد الرحمن بن عوف رضى الله تعالى عنهما وكم من فقير شغله الفقر وصرفه عن المقصد وغاية المقصد فى الدنيا هو حب الله تعالى والأنس به ولا يكون ذلك إلا بعد معرفته وسلوك سبيل المعرفة مع الشواغل غير ممكن والفقر قد يكون من الشواغل كما الغنى قد يكون من الشواغل وإنما الشاغل على التحقيق حب الدنيا إذ لا يجتمع معه حب الله تعالى فى القلب والمحب للشىء مشغول به سواء كان فى فراقه أو فى وصاله وربما يكون شغله فى الفراق أكثر وربما يكون شغله فى الوصال أكثر والدنيا معشوقة الغافلين المحروم منها مشغول بطلبها والقادر عليها مشغول بحفظها والتمتع بها فإذن إن فرضت فارغين عن حب المال بحيث صار المال فى حقهما كالماء استوى الفاقد والواجد إذ كل واحد غير متمتع إلا بقدر الحاجة ووجود قدر الحاجة أفضل من فقده إذ الجائع يسلك سبيل الموت لا سبيل المعرفة وإن أخذت الأمر باعتبار الأكبر فالفقير عن الخطر أبعد إذ فتنة السراء أشد من فتنة الضراء ومن العصمة أن لا يقدر ولذلك قال الصحابة رضى الله تعالى عنهم بلينا بفتنة الضراء فصبرنا وبلينا بفتنة السراء فلم نصبر وهذه خلقة الآدميين كلهم إلا الشاذ الفذ الذى لا يوجد فى الأعصار الكثيرة إلا نادرا