وقد قيل فى هذا المعنى أيضا .
يا جامعا مانعا والدهر يرمقه ... مقدرا أى باب منه يغلقه .
مفكرا كيف تأتيه منيته ... أغاديا أم بها يسرى فتطرقه .
جمعت مالا فقل لى هل جمعت له ... يا جامع المال أياما تفرقه .
المال عندك مخزون لوارثه ... ما المال مالك إلا يوم تنفقه .
أرفه ببال فتى يغدو على ثقة ... أن الذى قسم الأرزاق يرزقه .
فالعرض منه مصون مايدنسه ... والوجه منه جديد ليس يخلقه .
إن القناعة من يحلل بساحتها ... لم يبق فى ظلها هم يؤرقه .
بيان فضيلة الفقر على الغنى .
اعلم أن الناس قد اختلفوا فى هذا فذهب الجنيد والخواص والأكثرون إلى تفضيل الفقر وقال ابن عطاء الغنى الشاكر القائم بحقه أفضل من الفقير الصابر ويقال إن الجنيد دعا على ابن عطاء لمخالفته إياه فى هذا فأصابته محنة وقد ذكرنا ذلك فى كتاب الصبر وبينا أوجه التفاوت بين الصبر والشكر ومهدنا سبيل طلب الفضيلة فى الأعمال والأحوال وأن ذلك لا يمكن إلا بتفصيل .
فأما الفقر والغنى إذا أخذا مطلقا لم يسترب من قرأ الأخبار والآثار فى تفضيل الفقر ولا بد فيه من تفصيل فنقول إنما يتصور الشك فى مقامين أحدهما فقير صابر ليس بحريص على الطلب بل هو قانع أو راض بالإضافة إلى غنى منفق ماله فى الخيرات ليس حريصا على إمساك المال والثانى فقير حريص مع غنى حريص إذ لا يخفى أن الفقير القانع أفضل من الغنى الحريص الممسك وأن الغنى المنفق ماله فى الخيرات أفضل من الفقير الحريص أما الأول فربما يظن أن الغنى أفضل من الفقير لأنهما تساويا فى ضعف الحرص على المال والغنى متقرب بالصدقات والخيرات والفقير عاجز عنه وهذا هو الذى ظنه ابن عطاء فيما نحسبه فأما الغنى المتمتع بالمال وإن كان فى مباح فلا يتصور أن يفضل على الفقير القانع وقد يشهد له ما روى فى الخبر أن الفقراء شكوا إلى رسول الله A سبق الأغنياء بالخيرات والصدقات والحج والجهاد فعلمهم كلمات فى التسبيح وذكر لهم أنهم ينالون بها فوق ما ناله الأغنياء فتعلم الأغنياء ذلك فكانوا يقولونه فعاد الفقراء إلى رسول الله A فأخبروه فقالAذلك فضل الله يؤتيه من يشاء // حديث شكى الفقراء إلى رسول الله A سبق الأغنياء بالخيرات والصدقات الحديث وفي آخر فقال ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء متفق عليه من حديث أبي هريرة نحوه // .
وقد استشهد ابن عطاء أيضا لما سئل عن ذلك فقال الغنى أفضل لأنه وصف الحق أما دليله الأول ففيه نظر لأن الخبر قد ورد مفصلا تفصيلا يدل على خلاف ذلك وهو أن ثواب الفقير فى التسبيح يزيد على ثواب الغنى وأن فوزهم بذلك الثواب فضل الله يؤتيه من يشاء فقد روى زيد بن أسلم عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال بعث الفقراء رسولا إلا رسول الله A فقال إنى رسول الفقراء إليك فقال مرحبا بك وبمن جئت من عندهم قوم أحبهم قال قالوا يا رسول الله إن الأغنياء ذهبوا بالخير يحجون ولا نقدر عليه ويعتمرون ولا نقدر عليه وإذا مرضوا بعثوا بفضل أموالهم ذخيرة لهم فقال النبي A بلغ عنى