كما أن إبراهيم A لما وضع في المنجنيق قال حسبي الله وكانت هذه من الدعوات العظام فامتحن وعورض بجبريل في الهواء حتى قال ألك حاجة فقال أما إليك فلا فكان ذلك وفاء بحقيقة قوله حسبي الله فأخبر الله تعالى عنه فقال وإبراهيم الذي وفى أي بموجب قوله حسبي الله وبمثل هذا أخبر عن موسى A حيث قال إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ومع هذا لما ألقى السحرة سحرهم أوجس موسى في نفسه خيفة إذا لم يأمن مكر الله والتبس الأمر عليه حتى جدد عليه الأمن وقيل له لا تخف إنك أنت الأعلى ولما ضعفت شوكة المسلمين يوم بدر قال A اللهم إن تهلك هذه العصابة لم يبق على وجه الأرض أحد يعبدك // حديث قال يوم بدر اللهم إن تهلك هذه العصابة لم يبق على وجه الأرض أحد يعبدك أخرجه البخاري من حديث ابن عباس بلفظ اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم الحديث فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه دع عنك مناشدتك ربك فإنه واف لك بما وعدك فكان مقام الصديق Bه مقام الثقة بوعد الله وكان مقام رسول الله A مقام الخوف من مكر الله وهو أتم لأنه لا يصدر إلا عن كمال المعرفة بأسرار الله تعالى وخفايا أفعاله ومعاني صفاته التي يعبر عن بعض ما يصدر عنها بالمكر وما لأحد من البشر الوقوف على كنه صفات الله تعالى ومن عرف حقيقة المعرفة قصور معرفته عن الإحاطة بكنة الأمور عظم خوفه لا محالة ولذلك قال المسيح A لما قيل له أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك وقال إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم الآية فوض الأمر إلى المشيئة وأخرج نفسه بالكلية من البين لعلمه بأنه ليس له من الأمر شيء وأن الأمور مرتبطة بالمشيئة ارتباطا يخرج عن حد المعقولات والمألوفات فلا يمكن الحكم عليها بقياس ولا حدس ولا حسبان فضلا عن التحقيق والاستيقان وهذا هو الذي قطع قلوب العارفين إذ الطامة الكبرى هي ارتباط أمرك بمشيئة من لا يبالي بك إن أهلكك فقد أهلك أمثالك ممن لا يحصى ولم يزل في الدنيا يعذبهم بأنواع الآلام والأمراض ويمرض من ذلك قلوبهم بالكفر والنفاق ثم يخلد العقاب عليهم أبد الآباد ثم يخبر عنه ويقول ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين وقال تعالى وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم الآية فكيف لا يخاف ما حق من القول في الأزل ولا يطمع في تداركه ولو كان الأمر أنفا لكانت الأطماع تمتد إلى حيلة فيه ولكن ليس إلا التسليم فيه واستقراء خفى السابقة من جلى الأسباب الظاهرة على القلب والجوارح فمن يسرت له أسباب الشر وحيل بينه وبين أسباب الخير وأحكمت علاقته من الدنيا فكأنه كشف له على التحقيق سر السابقة التي سبقت له بالشقاوة إذ كل ميسر لما خلق له وإن كانت الخيرات كلها ميسرة والقلب بالكلية عن الدنيا منقطعا وبظاهره وباطنه على الله مقبلا كان هذا يقتضي تخفيف الخوف لو كان الدوام على ذلك موثوقا به ولكن خطر الخاتمة وعسر الثبات يزيد نيران الخوف إشعالا ولا يمكنها من الانطفاء وكيف يؤمن تغير الحال وقلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن وأن القلب أشد تقلبا من القدر في غليانها وقد قال مقلب القلوب D إن عذاب ربهم غير مأمون فأجهل الناس من أمنه وهو ينادي بالتحذير من الأمن ولو أن الله لطف بعباده العارفين إذ روح قلوبهم بروح الرجاء لاحترقت قلوبهم من نار الخوف .
فأسباب الرجاء رحمة لخواص الله وأسباب الغفلة رحمة على عوام الخلق من وجه إذ لو انكشف الغطاء لزهقت النفوس وتقطعت القلوب من خوف مقلب القلوب .
قال بعض العارفين لو حالت بيني وبين من عرفته بالتوحيد خمسين