أكثر منها فإن مصائب الدنيا طرق إلى الآخرة من وجهين أحدهما الوجه الذى يكون به الدواء الكريه نعمة فى حق المريض ويكون المنع من أسباب اللعب نعمة حق الصبى فإنه لو خلى واللعب كان يمنعه ذلك عن العلم والأدب فكان يخسر جميع عمره فكذلك المالى والأهل والأقارب والأعضاء حتى العين التى هى أعز الأشياء قد تكون سببا لهلاك الإنسان فى بعض الأحوال بل العقل الذى هو أعز الأمور قد يكون سببا لهلاكه فالملحدة غدا يتمنون لو كانوا مجانين أو صبيانا ولم يتصرفوا بعقولهم فى دين الله تعالى فما من شىء من هذه الأسباب يوجد من العبد إلا ويتصور أن يكون له فيه خيرة دينية فعليه أن يحسن الظن بالله تعالى ويقدر فيه الخيرة ويشكره عليه فإن حكمة الله واسعة وهو بمصالح العباد أعلم من العباد وغدا يشكره العباد على البلايا إذا رأوا ثواب الله على البلايا كما يشكر الصبى بعد العقل والبلوغ أستاذه وأباه على ضربه وتأديبه إذيدرك ثمرة ما استفاده من التأديب والبلاء من الله تعالى تأديب وعنايته بعباده أتم وأوفر من عناية الآباء بالأولاد فقد روى أن رجلا قال لرسول الله A أوصنى قال لا تتهم الله فى شىء قضاه عليك // حديث قال له رجل أوصنى قال لا تتهم الله فى شىء قضاه عليك رواه أحمد والطبرانى من حديث عبادة بزيادة فى أوله وفى إسناده ابن لهيعة // ونظر A إلى السماء فضحك فسئل فقال عجبت لقضاء الله تعالى للمؤمن إن قضى له بالسراء رضى وكان خيرا له وإن قضى له بالضراء رضى وكان خيرا له // حديث نظر إلى السماء فضحك فسئل فقال عجبت لقضاء الله للمؤمن الحديث أخرجه مسلم من حديث صهيب دون نظره إلى السماء وضحكه عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وللنسائى فى اليوم والليلة من حديث سعد بن أبى وقاص عجبت من رضا الله للمؤمن إن أصابه خير حمد ربه وشكر الحديث // الوجه الثانى أن رأس الخطايا المهلكة حب الدنيا ورأس أسباب النجاة التجافى بالقلب عن دار الغرور ومواتاة النعم على وفق المراد من غير امتزاج ببلاء ومصيبة تورث طمأنينة القلب إلى الدنيا وأسبابها وأنسه بها حتى تصير كالجنة فى حقه فيعظم بلاؤه عند الموت بسبب مفارقته وإذا كثرت عليه المصائب انزعج قلبه عن الدنيا ولم يسكن إليها ولم يأنس بها وصارت سجنا عليه وكانت نجاته منها غاية اللذة كالخلاص من السجن ولذلك قال A الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر // حديث الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر أخرجه مسلم من حديث أبى هريرة وقد تقدم // والكافر كل من أعرض عن الله تعالى ولم يرد إلا الحياة الدنيا ورضى بها واطمأن إليها والمؤمن كل منقطع بقلبه عن الدنيا شديد الحنين إلى الخروج منها والكفر بعضه ظاهر وبعضه خفى وبقدر حب الدنيا فى القلب يسرى فيه الشرك الخفى بل الموحد المطلق هو الذى لا يحب إلا الواحد الحق فإذن فى البلاء نعم من هذا الوجه فيجب الفرح به وأما التألم فهو ضرورى وذلك يضاهى فرحك عند الحاجة إلى الحجامة بمن يتولى حجامتك مجانا أو يسقيك دواء نافعا بشعا مجانا فإنك تتألم وتفرح فتصبر على الألم وتشكره على سبب الفرح فكل بلاء فى الأمور الدنيوية مثاله الدواء الذى يؤلم فى الحال وينفع فى المآل بل من دخل دار ملك للنضارة وعلم أنه يخرج منها لا محالة فرأى وجها حسنا لا يخرج معه من الدار كان ذلك وبالا وبلاء عليه لأنه يورثه الأنس بمنزل لا يمكنه المقام فيه ولو كان عليه فى المقام خطر من أن يطلع عليه الملك فيعذبه فأصابه ما يكره حتى نفره عن المقام كان ذلك نعمة عليه والدنيا منزل وقد دخلها الناس من باب الرحم وهم خارجون عنها من باب اللحد فكل ما يحقق أنسهم بالمنزل فهو بلاء وكل ما يزعج قلوبهم عنها ويقطع أنسهم بها فهو نعمة فمن عرف هذا تصور منه أن يشكر على البلايا ومن لم يعرف هذه النعم فى البلاء لم يتصور منه الشكر لأن الشكر يتبع معرفة النعمة بالضرورة