سببا لهلاك الإنسان حتى يقصد بسبب ما له فيقتل وتقتل أولاده والصحة أيضا كذلك فما من نعمة من هذه النعم الدنيوية إلا ويجوز أن تصير بلاء ولكن بالإضافة إليه فكذلك ما من بلاء إلا ويجوز أن يصير نعمة ولكن بالإضافة إلى حالة فرب عبد تكون الخيرة له فى الفقر والمرض ولو صح بدنه وكثر ماله لبطر وبغى قال الله تعالى ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا فى الأرض وقال تعالى كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى وقال A إن الله ليحمى عبده المؤمن من الدنيا وهو يحبه كما يحمى أحدكم مريضه // حديث إن الله ليحمى عبده من الدنيا الحديث أخرجه الترمذى وحسنه والحاكم وصححه وقد تقدم // وكذلك الزوجة والولد والقريب وكل ما ذكرناه فى الأقسام الستة عشر من النعم سوى الإيمان وحسن الخلق فإنها يتصور أن تكون بلاء فى حق بعض الناس فتكون أضدادها إذن نعما فى حقهم إذ سبق أن المعرفة كمال ونعمة فإنها صفة من صفات الله تعالى ولكن قد تكون على العبد فى بعض الأمور بلاء ويكون فقدها نعمة مثاله جهل الإنسان بأجله فإنه نعمة عليه إذ لو عرفه ربما تنغص عليه العيش وطال بذلك غمه وكذلك جهله بما يضمره الناس عليه من معارفه وأقاربه نعمة عليه إذ لو رفع الستر واطلع عليه لطال ألمه وحقده وحسده واشتغاله بالانتقام وكذلك جهله بالصفات المذمومة من غيره نعمة عليه إذ لو عرفها أبغضه وآذاه وكان ذلك وبالا عليه فى الدنيا والآخرة بل جهله بالصفات المحمودة فى غيره قد يكون نعمة عليه فإنه ربما يكون وليا لله تعالى وهو يضطر إلى إيذائه وإهانته ولو عرف ذلك وآذى كان إثمه لا محالة أعظم فليس من آذى نبيا أو وليا وهو يعرف كمن آذى وهو لا يعرف ومنها إبهام الله تعالى أمر القيامة وإبهامه ليلة القدر وساعة يوم الجمعة وإبهامه بعض الكبائر فكل ذلك نعمة لأن هذا الجهل يوفر دواعيك على الطلب والاجتهاد فهذه وجوه نعم الله تعالى فى الجهل فكيف فى العلم وحيث قلنا إن لله تعالى فى كل موجود نعمة فهو حق وذلك مطرد فى حق كل أحد ولا يستثنى عنه بالظن إلا الآلام التى يخلقها فى بعض الناس وهى أيضا قد تكون نعمة فى حق المتألم بها فإن لم تكن نعمة فى حقه كالألم الحاصل من المعصية كقطعه يد نفسه ووشمه بشرته فإنه يتألم به وهو عاص به وألم الكفار فى النار فهو أيضا نعمة ولكن فى حق غيرهم من العباد لا فى حقهم لأن مصائب قوم عند قوم فوائد ولولا أن الله تعالى خلق العذاب وعذب به طائفة لما عرف المتنعمون قدر نعمه ولو كثر فرحهم بها ففرح أهل الجنة إنما يتضاعف إذا تفكروا فى آلام أهل النار أما ترى أهل الدنيا ليس يشتد فرحهم بنور الشمس مع شدة حاجتهم إليه من حيث إنها عامة مبذولة ولا يشتد فرحهم بالنظر إلى زينة السماء وهى أحسن من كل بستان لهم فى الأرض يجتهدون فى عمارته ولكن زينة السماء لما عمت لم يشعروا بها ولم يفرحوا بسببها فإذن قد صح ما ذكرناه من أن الله تعالى لم يخلق شيئا إلا وفيه حكمة ولا خلق شيئا إلا وفيه نعمة إما على جميع عباده أو على بعضهم فإذن فى خلق الله تعالى البلاء نعمة أيضا إما على المبتلى أو على غير المبتلى فإذن كل حالة لا توصف بأنها بلاء مطلق ولا نعمة مطلقة فيجتمع فيها على العبد وظيفتان الصبر والشكر جميعا .
فإن قلت فهما متضادان فكيف يجتمعان إذ لا صبر إلا على غم ولا شكر إلا على فرح فاعلم أن الشىء الوحيد قد يغتم به من وجه ويفرح به من وجه آخر فيكون الصبر من حيث الاغتمام والشكر من حيث الفرح وفى كل فقر ومرض وخوف وبلاء فى الدنيا خمسة أمور ينبغى أن يفرح الغافل بها ويشكر عليها أحدها أن كل مصيبة ومرض فيتصور أن يكون أكبر منها إذ مقدورات الله تعالى لا تتناهى فلو ضعفها الله