أحس به وشكره وعده نعمة ولما كانت رحمة الله واسعة عمم الخلق وبذل لهم فى جميع الأحوال فلم يعده الجاهل نعمة وهذا الجاهل مثل العبد السوء حقه أن يضرب دائما حتى إذا ترك ضربه ساعة تقلد به منة فإن ترك ضربه على الدوام غلبه البطر وترك الشكر فصار الناس لا يشكرون إلا المال الذى يتطرق الاختصاص إليه من حيث الكثرة والقلة وينسون جميع نعم الله تعالى عليهم كما شكا بعضهم فقره إلى بعض أرباب البصائر وأظهر شدة اغتمامه به فقال له أيسرك أنك أعمى ولك عشرة آلاف درهم فقال لا فقال أيسرك أنك أخرس ولك عشرة آلاف درهم فقال لا فقال أيسرك أن أقطع اليدين والرجلين ولك عشرون ألفا فقال لا فقال أيسرك أنك مجنون ولك عشر آلاف درهم فقال لا فقال أما تستحى أن تشكو مولاك وله عندك عروض بخمسين ألفا .
وحكى أن بعض القراء اشتد به الفقر حتى ضاق به ذرعا فرأى فى المنام كأن قائلا يقول له تود أنا أنسيناك من القرآن سورة الأنعام وأن لك ألف دينار قال لا قال فسورة هود قال لا قال فسورة يوسف قال لا فعدد عليه سورا ثم قال فمعك قيمة مائة ألف دينار وأنت تشكو فأصبح وقد سرى عنه .
ودخل ابن السماك على بعض الخلفاء وبيده كوز ماء يشربه فقال له عظنى فقال لو لم تعط هذه الشربة إلا ببذل جميع أموالك وإلا بقيت عطشان فهل كنت تعطيه قال نعم فقال لو لم تعط إلا بملكك كله فهل كنت تتركه قال نعم قال فلا تفرح بملك لا يساوى شربة ماء .
فهذا تبين أن نعمة الله تعالى على العبد فى شربة ماء عند العطش أعظم من ملك الأرض كلها وإذا كانت الطباع مائلة إلى اعتداد النعمة الخاصة دون العامة وقد ذكرنا النعم العامة فلنذكر إشارة وجيزة إلى النعم الخاصة فنقول ما من عبد إلا ولو أمعن النظر فى أحواله رأى من الله نعمة أو نعما كثيرة تخصه لا يشاركه فيها الناس كافة بل يشاركه عدد يسير من الناس وربما لا يشاركه فيها أحد وذلك يعترف به كل عبد فى ثلاثة أمور فى العقل والخلق والعلم .
أما العقل فما من عبد لله تعالى إلا وهو راض عن الله فى عقله يعتقد أنه أعقل الناس وقل من يسأل الله العقل وإن من شرف العقل أن يفرح به الخالى عنه كما يفرح به المتصف به فإذا كان اعتقاده أنه أعقل الناس فواجب عليه أن يشكره لأنه إن كان كذلك فالشكر واجب عليه وإن لم يكن ولكنه يعتقد أنه كذلك فهو نعمة فى حقه فمن وضع كنزا تحت الأرض فهو يفرح به ويشكره عليه فإن أخذ الكنز من حيث لا يدرى فيبقى فرحه بحسب اعتقاده ويبقى شكره لأنه فى حقه كالباقى .
وأما الخلق فما من عبد إلا ويرى من غيره عيوبا يكرهها وأخلاقا يذمها وإنما يذمها من حيث يرى نفسه بريئا عنها فإذا لم يشتغل بذم الغير فينبغى أن يشتغل بشكر الله تعالى إذ حسن خلقه وابتلى غيره بالخلق السىء .
وأما العلم فما من أحد إلا ويعرف بواطن أمور نفسه وخفايا أفكاره وما هو منفرد به ولو كشف الغطاء حتى اطلع عليه أحد من الخلق لافتضح فكيف لو اطلع الناس كافة فإذن لكل عبد علم بأمر خاص لا يشاركه فيه أحد من عباد الله فلم لا يشكر ستر الله الجميل الذي أرسله على وجه مساويه فأظهر الجميل وستر القبيح وأخفى ذلك عن أعين الناس وخصص علمه به حتى لا يطلع عليه أحد فهذه ثلاثة من النعم خاصة يعترف بها كل عبد إما مطلقا وأما فى بعض الأمور فلننزل عن هذه الطبقة إلى طبقة أخرى أعم منها قليلا فنقول ما من عبد إلا وقد رزقه الله تعالى فى صورته أو شخصه أو أخلاقه أو صفاته أو أهله أو ولده أو مسكنه أو بلده أو رفيقه أو أقاربه أو عزه أو جاهه أو فى سائر محابه أمورا