محبوب ورب مراد مكروه ووراء بيان هذه الدقيقة سر القدر الذي منع من افشائه وقد انحل بهذا الاشكال الاول وهو انه اذا لم يكن للمشكور حظ فكيف يكون الشكر وبهذا ايضا ينحل الثاني فانا لم نعن بالشكر الا انصراف نعمة الله في جهة محبة الله فاذا انصرفت النعمة في جهة المحبة بفعل الله فقد حصل المراد وفعلك عطاء من الله تعالى ومن حيث انت محله فقد اثنى عليك وثناؤه نعمة اخرى منه اليك فهو الذي اعطى وهو الذي اثنى وصار احد فعليه سببا لانصراف فعله الثاني الى جهة محبته فله الشكر على كل حال وانت موصوف بأنك شاكر بمعنى انك محل المعنى الذي الشكر عبارة عنه لا بمعنى انك موجب له كما انك موصوف بانك عارف وعالم لا بمعنى انك خالق للعلم وموجده ولكن بمعنى انك محل له وقد وجد بالقدرة الازلية فيك فوصفك بانك شاكر اثبات شيئية لك وانت شيء اذ جعلك خالق الاشياء شيئا وإنما أنت لا شيء إذا كنت أنت ظانا لنفسك شيئا من ذاتك فأما باعتبار النظر إلى الذي جعل الأشياء شيئا فأنت شيء إذ جعلك شيئا فإن قطع النظر عن جعله كنت لا شيء تحقيقيا والى هذا أشار صلى الله الله عليه وسلم حيث قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له // حديث اعملوا فكل ميسر لما خلق له من حديث على وعمران بن حصين لما قيل له يا رسول الله ففيم العمل اذا كانت الاشياء قد فرغ منها من قبل فتبين ان الخلق مجاري قدرة الله تعالى ومحل افعاله وان كانوا هم ايضا من افعاله ولكن بعض افعاله محل للبعض وقوله اعملوا وان كان جاريا على لسان الرسول صلى الله تعالى عليه واله وسلم فهو فعل من افعاله وهو سبب لعلم الخلق ان العمل نافع وعلمهم فعل من افعال الله تعالى والعلم سبب لانبعاث داعية جازمة الى الحركة والطاعة وانبعاث الداعية ايضا من افعال الله تعالى وهو سبب لحركة الاعضاء وهي ايضا من افعال الله تعالى ولكن بعض افعاله سبب للبعض أي الاول شرط للثاني كما كان خلق الجسم سببا لخلق العرض اذ لا يخلق العرض قبله وخلق الحياة شرط لخلق العلم وخلق العلم شرط لخلق الارادة والكل من افعال الله تعالى وبعضها سبب للبعض أي هو شرط ومعنى كونه شرطا انه لا يستعد لقبول فعل الحياة الا جوهر ولا يستعد لقبول العلم الا ذو حياة ولا لقبول الارادة الاذو علم فيكون بعض افعاله سببا للبعض بهذا المعنى لا بمعنى ان بعض افعاله موجد لغيره بل ممهد شرط الحصول لغيره وهذا اذا حقق ارتقى الى درجة التوحيد الذي ذكرناه .
فإن قلت فلم قال الله تعالى اعملوا والا فأنتم معاقبون مذمومون على العصيان وما الينا شيء فكيف نذم وانما الكل الى الله تعالى فاعلم ان هذا القول من الله تعالى سبب لحصول اعتقاد فينا والاعتقاد سبب لهيجان الخوف وهيجان الخوف سبب لترك الشهوات والتجافي عن دار الغرور وذلك سبب للوصول الى جوار الله والله تعالى مسبب الاسباب ومرتبها فمن سبق له في الازل السعادة يسر له هذه الاسباب حتى يقوده بسلسلتها الى الجنة ويعبر عن مثله بان كلا ميسر لما خلق له ومن لم يسبق له من الله الحسنى بعد عن سماع كلام الله تعالى وكلام رسول الله A وكلام العلماء فاذا لم يسمع لم يعلم واذا لم يعلم لم يخف واذا لم يخف لم يترك الركون الى الدنيا واذا لم يترك الركون الى الدنيا بقى في حزب الشيطان وان جهنم لموعدهم اجمعين فإذا عرفت هذا تعجبت من قوم يقادون الى الجنة بالسلاسل فما من احد الا وهو مقود الى الجنة بسلاسل الاسباب وهو تسليط العلم والخوف عليه وما من مخذول الا وهو مقود الى النار بالسلاسل وهو تسليط الغفلة والأمن والغرور عليه فالمتقون يساقون الى الجنة قهرا والمجرمون يقادون الى النار قهرا ولا قاهر الا الله الواحد القهار