قال أفلا أكون عبدا شكورا // حديث عائشة لما قالت له غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فما هذا البكاء الحديث رواه ابو الشيخ وهو بقية حديث عطاء عنها المتقدم قبل هذا بتسعة أحاديث وهو عند مسلم من رواية عروة عنها مختصرا وكذلك هو في الصحيحين مختصرا من حديث المغيرة بن شعبة معناه أفلا أكون طالبا للمزيد في المقامات فان الشكر سبب الزيادة حيث قال تعالى لئن شكرتم لازيدنكم .
واذا تغلغنا في بحار المكاشفة فلنقبض العنان ولنرجع الى ما يليق بعلوم المعاملة فنقول الانبياء عليهم السلام بعثوا لدعوة الحق الى كمال التوحيد الذي وصفناه ولكن بينهم وبين الوصول اليه مسافة بعيدة وعقبات شديدة وانما الشرع كله تعريف طريق سلوك تلك المسافة وقطع تلك العقبات وعند ذلك يكون النظر عن مشاهدة اخرى ومقام آخر فيظهر في ذلك المقام باضافة الى تلك المشاهدة الشكر والشاكر والمشكور ولا يعرف ذلك الا بمثال فاقول يمكنك ان تفهم ان ملكا من الملوك ارسل الى عبد قد بعد منه مركوبا وملبوسا ونقد الاجل زاده في الطريق حتى يقطع به مسافة البعد ويقرب من حضرة الملك ثم يكون له حالتان احداهما ان يكون قصده من وصول العبد الى حضرته ان يقوم ببعض مهماته ويكون له عناية في خدمته والثانية أن لا يكون للملك حظ في العبد ولا حاجة به اليه بل حضوره لا يزيد في ملكه لانه لا يقوى على القيام بخدمة تغني فيه غناء وغيبته لا تنقص من ملكه فيكون قصد من الإنعام عليه بالمركوب والزاد أن يحظى العبد بالقرب منه وينال سعادة حضرته لينتفع هو في نفسه لا لينتفع الملك به وبانتفاعه فمنزل العباد من الله تعالى في المنزلة الثانية لا في المنزلة الاولى فان الاولى محال على الله تعالى والثانية غير محال ثم اعلم ان العبد لا يكون شاكرا في الحالة الأولى بمجرد الركوب والوصول الى حضرته ما لم يقم بخدمته التي ارادها الملك منه واما في الحالة الثانية فلا يحتاج الى الخدمة اصلا ومع ذلك يتصور ان يكون شاكرا وكافرا ويكون شكره بان يستعمل ما انفذه اليه مولاه فيما احبه لاجله لا لاجل نفسه وكفره ان لا يستعمل ذلك فيه بان يعطله او يستعمله فيما يزيد في بعده منه فمهما لبس العبد الثوب وركب الفرس ولم ينفق الزاد الا في الطريق فقد شكره مولاه اذ استعمل نعمته في محبته أي فيما احبه لعبده لا لنفسه وان ركبه واستدبر حضرته وأخذ يبعد منه فقد كفر نعمته أي استعملها فيما كرهه مولاه لعبده لا لنفسه وان جلس ولم يركب لا في طلب القرب ولا في طلب البعد فقد كفر ايضا نعمته اذا اهملها وعطلها وان كان هذا دون ما لو بعد منه فكذلك خلق الله سبحانه الخلق وهم في ابتداء فطرتهم يحتاجون الى استعمال الشهوات لتكمل بها ابدانهم فيبعدون بها عن حضرته وانما سعادتهم في القرب منه فأعد لهم من النعم ما يقدرون على استعماله في نيل درجة القرب وعن بعدهم وقربهم عبر الله تعالى اذ قال لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم ثم رددناه اسفل سافلين الا الذين امنوا آلاية فإذن نعم الله تعالى آلات يترقى العبد بها عن اسفل السافلين خلقها الله تعالى لاجل العبد حتى ينال بها سعادة القرب والله تعالى غني عنه قرب ام بعد والعبد فيها بين ان يستعملها في الطاعة فيكون قد شكر لموافقة محبة مولاه وبين ان يستعملها في معصيته فقد كفر لاقتحامه ما يكرهه مولاه ولا يرضاه له فإن الله لا يرضى لعباده الكفر والمعصية وان عطلها ولم يستعملها في طاعة ولا معصية فهو ايضا كفر كفران إن للنعمة بالتضييع وكل ما خلق في الدنيا انما خلق آلة للعبد ليتوصل به الى سعادة الاخرة ونيل القرب من الله تعالى فكل مطيع فهو بقدر طاعته شاكر نعمة الله في الاسباب التي استعملها في الطاعة وكل كسلان ترك الاستعمال او عاص استعملها في طريق البعد فهو كافر جار في غير محبة الله تعالى فالمعصية والطاعة تشملهما المشيئة ولكن لا تشملهما المحبة والكراهة بل رب مراد