لغرض نفسه لا لغرضك ولو لم يكن غرضه في العطاء لما اعطاك ولو لم يعلم ان منفعته في منفعتك لما نفعك فهو اذن انما يطلب نفع نفسه بنفعك فليس منعما عليك بل اتخذك وسبيله الى نعمة اخرى وهو يرجوها وانما الذي انعم عليك هو الذي سخره لك وألقى في قلبه من الاعتقادات والارادات ما صار به مضطرا الى الايصال اليك فان عرفت الأمور كذلك فقد عرفت الله تعالى وعرفت فعله وكنت موحدا وقدرت على شكره بل كنت بهذه المعرفة بمجردها شاكرا .
ولذلك قال موسى عليه السلام في مناجاته إلهي خلقت آدم بيدك وفعلت وفعلت فكيف شكرك فقال الله D علم ان كل ذلك مني فكانت معرفته شكرا .
فإذن لا تشكر إلا بأن تعرف ان الكل منه فان خالجك ريب في هذا لم تكن عارفا لا بالنعمة ولا بالمنعم فلا تفرح بالمنعم وحده بل وبغيره فبنقصان معرفتك ينقص حالك في الفرح وبنقصان فرحك ينقص عملك فهذا بيان هذا الأصل .
الاصل الثاني الحال المستمدة من اصل المعرفة وهو الفرح بالمنعم مع هيئة الخضوع والتواضعوهو ايضا في نفسه شكر على تجرده كما ان المعرفة شكر ولكن انما يكون شكرا اذا كان حاويا شرطه وشرطه ان يكون فرحك بالمنعم لا بالنعمة ولا بالانعام ولعل هذا يتعذر عليك فهمه فنضرب لك مثلا فنقول الملك الذي يريد الخروج الى سفره فأنعم بفرس على انسانيتصور ان يفرح المنعم عليه بالفرس من ثلاثة أوجه احدها ان يفرح بالفرس من حيث انه فرس وإنه مال ينتفع به ومركوب يوافق غرضه وإنه جواد نفيس وهذ فرح من لاحظ له في الملك بل غرضه الفرس فقط ولو وجده في صحراء فأخذه لكان فرحه مثل ذلك الفرح الوجه الثاني ان يفرح به لا من حيث انه فرس بل من حيث تستدل به على عناية الملك به وشفقته عليه واهتمامه بجانبه لو وجد هذا الفرس في صحراء او اعطاه غير الملك لكان لا يفرح به أصلا لاستغنائه عن الفرس اصلا او استحقاره له بالاضافة الى مطلوبه من نيل المحل في قلب الملك الوجه الثالث ان يفرح به ليركبه ليخرج في خدمة الملك ويتحمل مشقة السفر لينال بخدمته القرب منه وربما يرتقي الى درجة الوزارة من حيث انه ليس يقنع بأن يكون محله في قلب الملك ان يعطيه فرسا ويعتني به هذا القدر من العناية بل هو طالب لان لا ينعم الملك بشيء من ماله على احد الا بواسطته ثم انه ليس يريد من الوزارة الوزارة بل يريد مشاهدة الملك والقرب منه حتى لو خير بين القرب منه دون الوزارة وبين الوزارة دون القرب لاختار القرب فهذه ثلاث درجات فالأولى لا يدخل فيها معنى الشكر أصلا لأن نظر صاحبها مقصور على الفرس ففرحه بالفرس لا بالمعطي وهذا حال كل من فرح بنعمة من حيث إنها لذيذة وموافقة لغرضه فهو بعيد عن معنى الشكر والثانية داخله في معنى الشكر من حيث انه فرح بالمنعم ولكن لا من حيث ذاته بل من حيث معرفة عنايته التي تستحثه على الانعام في المستقبل وهذا حال الصالحين الذين يعبدون الله ويشكرونه خوفا من عقابه ورجاء لثوابه وإنما الشكر التام في الفرح الثالث وهو ان يكون فرح العبد بنعمة الله تعالى من حيث انه يقدر بها على التوصل الى القرب منه تعالى والنزول في جواره والنظر الى وجهه على الدوام فهذا هو الرتبة العليا وأمارته ان لايفرح من الدنيا الا بما هو مزرعة للآخرة ويعينه عليها ويحزن بكل نعمة تلهيه عن ذكر الله تعالى وتصده عن سبيله لانه ليس يريد النعمة لأنها لذيذه كما يريد صاحب الفرس لانه جواد ومهملج بل من حيث انه يحمله في صحبة الملك حتى تدوم مشاهدته له وقربه منه ولذلك قال الشبلى رحمة الله الشكر رؤية المنعم