فالأصل الاول العلم وهو علم بثلاثة امور بعين النعمة ووجه كونها نعمة في حقه وبذات المنعم ووجود صفاته التي بها يتم الانعام ويصدر الانعام منه عليه فانه لا بد من نعمة ومنعم ومنعم عليه تصل اليه النعمة من المنعم بقصد وارادة فهذه الامور لا بد من معرفتها هذا في حق غير الله تعالى فأما في حق الله تعالى فلا يتم الا بان يعرف ان النعم كلها من الله وهو المنعم والوسائط مسخرون من جهته .
وهذه المعرفة وراء التوحيد والتقديس اذ دخل التقديس والتوحيد فيها بل الرتبة الاولى في معارف الايمان التقديس ثم اذا عرف ذاتا مقدسة فيعرف انه لا مقدس الا واحد وما عداه غير مقدس وهو التوحيد ثم يعلم ان كل ما في العالم فهو موجود من ذلك الواحد فقط فالكل نعمة منه فتقع هذه المعرفة في الرتبة الثالثة اذ ينطوي فيها مع التقديس والتوحيد كمال القدرة والانفراد بالفعل وعن هذا عبر رسول الله Aحيث قال من قال سبحان الله فله عشر حسنات ومن قال لا اله الا الله فله عشرون حسنة ومن قال الحمد لله فله ثلاثون حسنة // حديث من قال سبحان الله فله عشر حسنات الحديث تقدم في الدعوات // وقال Aافضل الذكر لا اله الا الله وافضل الدعاء الحمد لله // حديث افضل الذكر لا اله الا الله وافضل الوعاء الحمد لله احرجه الترمذي وحسنه والنسائي في اليوم والليلة وابن ماجه وابن حبان من حديث جابر // وقال ليس شيء من الأذكار يضاعف ما يضاعف الحمد لله // حديث ليس شيء من الاذكار يضاعف ما يضاعف الحمد لله لم اجده مرفوعا وانما رواه ابن ابي الدنيا في كتاب الشكر عن ابراهيم النخعي يقال إن الحمد اكثر الكلام تضعيفا // ولاتظنن ان هذه الحسنات بازاء تحريك اللسان بهذه الكلمات من غير حصول معانيها في القلب فسبحان الله كلمة تدل على التقديس ولا اله الا الله كلمة تدل على التوحيد والحمد لله كلمة تدل على النعمة من الواحد الحق فالحسنات بإزاء هذه المعارف التي هي من ابواب الايمان واليقين .
واعلم ان تمام هذه المعرفة بنفي الشرك في الأفعال فمن أنعم عليه ملك من الملوك بشيء فإن رأي لوزيره أو وكيله دخلا في تيسير ذلك وايصاله اليه فهو اشراك به في النعمة فلا يرى النعمة من الملك من كل وجه بل منه بوجه ومن غيره بوجه فيتوزع فرحة عليهما فلا يكون موحدا في حق الملك نعم لا يغض من توحيده في حق الملك وكمال شكره ان يرى النعمة الواصلة اليه بتوقيعه الذي كتبه بقلمه وبالكاغد الذي كتبه عليه فانه لا يفرح بالقلم والكاغد ولا يشكرهما لانه لا يثبت لهما دخلا من حيث هما موجودان بأنفسهما بل من حيث هما مسخران تحت قدرة الملك وقد يعلم ان الوكيل الموصل والخازن ايضا مضطران من جهة الملك في الايصال وانه لو رد الأمر اليه ولم يكن من جهة الملك ارهاق وامر جزم يخاف عاقبته لما سلم اليه شيئا فاذا عرف ذلك كان نظره الى الخازن الموصل كنظرة الى القلم والكاغد فلا يورث ذلك شركا في توحيده من اضافة النعمة اليه إلى الملك .
وكذلك من الكاتب وان الحيوانات التي لها اختيار مسخرات في نفس اختيارها فان الله تعالى هو المسلط للدواعي عليها لتفعل شاءت ام ابت كالخازن المضطر الذي لا يجد سبيلا الى مخالفة الملك ولو خلى ونفسه لما اعطاك ذروة مما في يده فكل من وصل اليك نعمة من الله تعالى على يده فهو مضطر اذ سلط الله عليه الارادة وهيج عليه الدواعي والقى في نفسه ان خيره في الدنيا والآخرة ان يعطيك ما اعطاك وان غرضه المقصود عنده في الحال والمال لا يحصل الا به وبعد ان خلق الله له هذا الاعتقاد لا يجد سبيل الى تركه فهو اذن إنما يعطيك