لم يكن له سير بالباطن فلا ينجيه الا الأوراد المتواصلة المترتبة في كل لحظة من القراءة والاذكار والصلوات ويحتاج مع ذلك الى تكليف القلب الحضور فان الفكر بالباطن هو الذي يستغرق القلب دون الاوراد الظاهرة ثم اذا فعل ذلك كله لم يسلم له من الأوقات الا بعضها اذ لا يخلو في جميع اوقاته عن حوادث تتجدد فتشغله عن الفكر والذكر من مرض و خوف وايذاء من إنسان وطغيان من مخالط اذ لا يستغنى عن مخالطة من يعينه في بعض اسباب المعيشة فهذا احد الانواع الشاغلة .
واما النوع الثاني فهو ضروري اشد ضرورة اشد من الأول وهو اشتغاله بالمطعم والملبس واسباب المعاش فإن تهيئة ذلك ايضا تحوج الى شغل ان تولاه بنفسه وان تولاه غيره فلا يخلو عن شغل قلب بمن يتولاه ولكن بعد قطع العلائق كلها يسلم له اكثر الاوقات ان لم تهجم به ملمة او واقعة وفي تلك الأوقات يصفو القلب ويتيسر له الفكر وينكشف فيه من اسرار الله تعالى في ملكوت السموات والأرض مالا يقدر على عشر عشيرة في زمان طويل لو كان مشغول القلب بالعلائق والانتهاء الى هذا هو اقصى المقامات التي يمكن ان تنال بالاكتساب والجهد فأما مقادير ما ينكشف مبالغ ما يرد من لطف الله تعالى في الاحوال و الاعمال فذلك يجري مجرى الصيد وهو بحسب الرزق فقد يقل الجهد ويجل الصيد وقد يطول الجهد ويقل الحظ والمعول وراء هذا الاجتهاد على جذبه من جذبات الرحمن فانها توازي اعمال الثقلين وليس ذلك باختيار العبد نعم اختيار العبد في ان يتعرض لتلك الجذبة بان يقطع عن قلبه جواذب الدنيا فإن المجذوب الى اسفل سافلين لا ينجذب الى اعلى عليين وكل مهموم بالدنيا فهو منجذب اليها فقطع العلائق الجاذبة هو المراد بقوله A ان لربكم في ايام دهركم نفحات الا فتعرضوا لها وذلك لان تلك النفحات والجذبات لها اسباب سماوية اذ قال الله تعالى وفي السماء رزقكم وما توعدون وهذا من أعلى أنواع الرزق والامور السماوية غائبة عنا فلا ندري متى ييسر الله تعالى اسباب الرزق فما علينا الا تفريغ المحل والانتظار لنزول الرحمة وبلوغ الكتاب اجله كالذي يصلح الارض وينقيها من الحشيش ويبث البذر فيها وكل ذلك لا ينفعه الا بمطر ولا يدري متى يقدر الله اسباب المطر الا انه يثق بفضل الله تعالى ورحمته انه لا يخلي سنة عن مطر فكذلك فلما تجلو سنة وشهر ويوم عن جذبه من الجذبات ونفحة من النفحات فينبغي ان يكون العبد قد طهر القلب عن حشيش الشهوات وبذر فيه بذر الارادة والاخلاص وعرضه لمهاب رياح الرحمة وكما يقوى انتظار الأمطار في اوقات الربيع وعند ظهور الغيم فيقوى انتظار تلك النفحات في الأوقات الشريفة وعند اجتماع الهمم وتساعد القلوب كما في يوم عرفة ويوم الجمعة وأيام رمضان فان الهمم والأنفاس اسباب بحكم تقدير الله تعالى لاستدرار رحمته حتى تستدر بها الامطار في اوقات الاستسقاء وهي لا ستدراك امطار المكاشفات ولطائف المعارف من خزائن الملكوت اشد مناسبة منها لاستدرار قطرات الماء واستجرار الغيوم من اقطار الجبال والبحار بل الأحوال والمكاشفات حاضرة معك في قلبك وانما انت مشغول عنها بعلائقك وشهواتك فصار ذلك حجابا بينك وبينها فلا تحتاج الا الى ان تنكسر الشهوة ويرفع الحجاب فتشرق انوار المعارف من باطن القلب واظهار ماء الأرض بحفر القنى أسهل واقرب من الاسترسال اليها من مكان بعيد منخفض عنها ولكونه حاضرا في القلب ومنسيا بالشغل عنه سمي الله تعالى جميع معارف الإيمان تذكرا فقال تعالى انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون وقال تعالى وليتذكر اولو الالباب وقال تعالى ولقد يسرنا القران للذكر فهل من مدكر