والمعاصي مقتضى باعث الهوى .
واشد انواع الصبر الصبر عن المعاصي التي صارت مألوفة بالعادة فإن العاده طبيعة خامسة فاذا انضافت العادة الى الشهوة تظاهر جندان من جنود الشيطان على جند الله تعالى فلا يقوى باعث الدين على قمعها ثم ان كان ذلك الفعل مما تيسر فعله كان الصبر عنه اثقل على النفس كالصبر عن معاصي اللسان من الغيبة والكذب والمراء والثناء على النفس تعريضا وتصريحا وأنواع المزح المؤذي للقلوب وضروب الكلمات التي يقصد بها الإزراء والاستحقار وذكر الموتى والقدح فيهم وفي علومهم وسيرهم ومناصبهم فان ذلك في ظاهرة غيبة وفي باطنه ثناء على النفس فللنفس فيه شهوتان احداهما نفي الغير والأخرى اثبات نفسه وبها تتم له الربوبية التي هي في طبعه وهي ضد ما أمر به من العبودية ولاجتماع الشهوتين وتيسر تحريك اللسان ومصير ذلك معتادا في المحاورات يعسر الصبر عنها وهي أكبر الموبقات حتى بطل استنكارها واستقباحها من القلوب لكثرة تكريرها وعموم الانس بها فترى الانسان يلبس حريرا مثلا فيستبعد غاية الاستبعاد ويطلق لسانه طول النهار في أعراض الناس ولا يستنكر ذلك مع ما ورد في الخبر من ان الغيبة أشد من الزنا // ومن لم يملك لسانه في المحاورات ولم يقدر على الصبر عن ذلك فيجب عليه العزلة والانفراد فلا ينجيه غيره فالصبر على الانفراد اهون من الصبر على السكوت مع المخالطة .
وتختلف شدة الصبر في آحاد المعاصي باختلاف داعية تلك المعصية في قوتها وضعفها وأيسر من حركة اللسان حركة الخواطر باختلاف الوساوس فلا جرم يبقى حديث النفس في العزلة ولا يمكن الصبر عنه أصلا إلا بأن يغلب على القلب هم آخر في الدين يستغرقه كمن أصبح وهمومه هم واحد والا فإن لم يستعمل الفكر في شيء معين لم يتصور فتور الوسواس عنه .
القسم الثاني مالا يرتبط هجومه باختياره وله اختيار في دفعه كما لو أوذي بفعل أو قول وجنى عليه في نفسه أو ماله فالصبر على ذلك بترك المكافأة تارة يكون واجبا وتارة يكون فضيلة قال بعض الصحابة رضوان الله عليهم ما كنا نعد إيمان الرجل ايمانا إذا لم يصبر على الأذى وقال تعالى ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون وقسم رسول الله Aمرة مالا فقال بعض الأعراب من المسلمين هذه قسمة ما أريد بها وجه الله فأخبر رسول الله فاحمرت وجنتاه ثم قال يرحم الله أخي موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر // وقال تعالى ودع آذاهم وتوكل على الله وقال تعالى واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا وقال تعالى ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك الآية وقال تعالى ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور أي تصبروا عن المكأفاة ولذلك مدح الله تعالى العافين عن حقوقهم في القصاص وغيره فقال تعالى وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير الصابرين وقال Aصل من قطعك وأعط من حرمك واعف عمن ظلمك // ورأيت في الإنجيل قال عيسى بن مريم عليه السلام لقد قيل لكم من قبل إن السن بالسن والأنف بالأنف وأنا أقول لكم لا تقاوموا بالشر بل من ضرب خدك الأيمن فحول إليه