وأما الخامس وهو شك فهذا كفر وعلاجه الأسباب التى تعرفة صدق الرسل وذلك يطول ولكن يمكن أن يعالج بعلم قريب يليق بحد عقله فيقال له ما قاله الأنبياء المؤيدون بالمعجزات هل صدقة ممكن أو تقول أعلم أنه محال كما أعلم استحالة شخص واحد فى مكانين فى حالة واحدة فإن قال أعلم استحالته كذلك فهو أخرق معتوه وكأنه لا وجود لمثل هذا فى العقلاء وإن قال أنا شاك فيه فيقال لو أخبرك شخص واحد مجهول عند تركك طعامك فى البيت لحظة أنه ولغت فيه حية وألقت سمها فيه وجوزت صدقة فهل تأكله أو تتركه وإن كان ألذ الأطعمة فيقول أتركه لا محالة لأنى أقول إن كذب فلا يفوتنى إلا هذا الطعام والصبر عنه وإن كان شديدا فهو قريب وإن صدق فتفوتنى الحياة والموت بالإضافة إلى ألم الصبر عن الطعام وإضاعته شديد فيقال له يا سبحان الله كيف تؤخر صدق الأنبياء كلهم مع ما ظهر لهم من المعجزات وصدق كافة الأولياء والعلماء والحكماء بل جميع أصناف العقلاء ولست أعنى بهم جهال العوام بل ذوى الألباب عن صدق رجل واحد مجهول لعل له غرضا فيما يقول فليس فى العقلاء إلا من صدق باليوم الآخروأثبت ثوابا وعقابا وإن اختلفوا فى كيفيته فإن صدقوا فقد أشرفت على عذاب يبقى أبد الآباد وإن كذبوا فلا يفوتك إلا بعض شهوات هذه الدنيا الفانية المكدرة فلا يبقى له توقف إن كان عاقلا مع هذا الفكر إذ لا نسبة لمدة العمر إلى أبد الآباد بل لو قدرنا الدنيا مملوءة بالذرة وقدرنا طائرا يلتقط فى كل ألف ألف سنة حبة واحدة منها لفنيت الذرة ولم ينقص أبد الآباد شيئا فكيف يفتر رأى العاقل فى الصبر عن الشهوات مائة سنة مثلا لأجل سعادة تبقى أبد الآباد ولذلك قال أبو العلاء أحمد بن سليمان التنوخى المعرى .
قال المنجم والطبيب كلاهما ... لا تبعث الأموات قلت إليكما .
إن صح قولكما فلست بخاسر ... أو صح قولى فالخسار عليكما .
لذلك قال على رضى الله عنه لبعض من قصر عقله عن فهم تحقيق الأمور وكان شاكا إن صح ما قلت فقد تخلصنا جميعا وإلا فقد تخلصت وهلكت أى العاقل يسلك طريق الأمن فى جميع الأحوال .
فإن قلت هذه الأمور جلية ولكنها ليست تنال إلا بالفكر فما بال القلوب هجرت الفكر فيها واستثقلته وما علاج القلوب لردها إلى الفكر لا سيما من آمن بأصل الشرع وتفصيله فاعلم أن المانع من الفكر أمران أحدهما أن الفكر النافع هو الفكر فى عقاب الآخرة وأهوالها وشدائدها وحسرات العاصين فى الحرمان عن النعيم المقيم وهذا فكر لداغ مؤلم للقلب فينفر القلب عنه ويتلذذ بالفكر فى أمور الدنيا على سبيل التفرج والاستراحة والثاني أن الفكر شغل فى الحال مانع من لذائذ الدنيا وقضاء الشهوات وما من إنسان إلا وله فى كل حالة من أحواله ونفس من أنفاسه شهوة قد تسلطت عليه واسترقته فصار عقله مسخرا لشهوته فهو مشغول بتدبير حيلته وصارت لذته فى طلب الحيلة فيه أو فى مباشرة قضاء الشهوة والفكر يمنعه من ذلك .
أما علاج هذين المانعين فهو أن يقول لقلبه ما أشد غباوتك فى الاحتراز من الفكر فى الموت وما بعده تألما بذكره مع استحقار ألم مواقعته فكيف تصبر على مقاساته إذا وقع وأنت عاجز عن الصبر على تقدير الموت وما بعده ومتألم به وأما الثانى وهو كون الفكر مفوتا للذات الدنيا فهو أن يتحقق أن فوات لذات الآخرة أشد وأعظم فإنها لا آخر لها ولا كدورة فيها ولذات الدنيا سريعة الدثور وهى مشوبة بالمكدرات فما فيها لذة صافيه عن كدر وكيف وفى التوبة عن المعاصى والإقبال على الطاعة تلذذ بمناجاة الله تعالى واستراحة بمعرفته وطاعته