فهو يذنب وينتظر العفو عنها اتكالا على فضل الله تعالى فهذه أسباب أربعة موجبة للإصرار على الذنب مع بقاء أصل الإيمان .
نعم قد يقدم المذنب بسبب خامس يقدح فى أصل إيمانه وهو كونه شاكا فى صدق الرسل وهذا هو الكفر كالذى يحذره الطبيب عن تناول ما يضره فى المرض فإن كان المحذر ممن لا يعتقد فيه أنه عالم بالطب فيكذبه أو يشك فيه فلا يبالى به فهذا هو الكفر .
فإن قلت فما علاج الأسباب الخمسة فأقول هو الفكر وذلك بأن يقرر على نفسه فى السبب الأول وهو تأخر العقاب أن كل ما هو آت آت وأن غدا للناظرين قريب وأن الموت أقرب إلى كل أحد من شراك نعله فما يدريه لعل الساعة قريب والمتأخر إذا وقع صار ناجزا ويذكر نفسه أنه أبدا فى دنياه يتعب فى الحال لخوف أمر فى الاستقبال إذ يركب البحار ويقاسى الاسفار لأجل الربح الذى يظن أنه قد يحتاج إليه فى ثانى الحال بل لو مرض فأخبره طبيب نصرانى بأن شرب الماء البارد يضره ويسوقه إلى الموت وكان الماء البارد ألذ الأشياء عنده تركه مع أن الموت ألمه لحظة إذا لم يخف ما بعده ومفارقته للدنيا لا بد منها فكم نسبة وجوده فى الدنيا إلى عدمه أزلا وأبدا فلينظر كيف يبادر إلى ترك ملاذه بقول ذمى لم تقم معجزة على طبه فيقول كيف يليق بعقلى أن يكون قول الأنبياء المؤيدين بالمعجزات عندي دون قول نصرانى يدعى الطب لنفسه بلا معجزة على طبه ولا يشهد له إلا عوام الخلق وكيف يكون عذاب النار عندي أخف من عذاب المرض وكل يوم فى الآخرة بمقدار خمسين ألف سنة من أيام الدنيا وبهذا التفكر بعينه يعالج اللذة الغالبة عليه ويكلف نفسه تركها ويقول إذا كنت لا أقدر على ترك لذاتى أيام العمر وهى أيام قلائل فكيف أقدر على ذلك أبد الآباد وإذا كنت لا أطيق ألم الصبر فكيف أطيق ألم النار وإذا كنت لا أصبر عن زخارف الدنيا مع كدوراتها وتنغصها وامتزاج صفوها بكدرها فكيف أصبر عن نعيم الآخرة وأما تسويف التوبة فيعالجه بالفكر فى أن أكثر صياح أهل النار من التسويف لأن المسوف يبنى الأمر على ما ليس إليه وهو البقاء فلعله لا يبقى وإن بقى فلا يقدر على الترك غدا كما لا يقدر عليه اليوم فليت شعرى هل عجز فى الحال إلا لغلبة الشهوة والشهوة ليست تفارقه غدا بل تتضاعف إذ تتأكد بالاعتياد فليست الشهوة التى أكدها الإنسان بالعادة كالتى لم يؤكدها وعن هذا هلك المسوفون لأنهم يظنون الفرق بين المتماثلين ولا يظنون أن الأيام متشابهة فى أن ترك الشهوات فيها أبدا شاق وما مثال المسوف إلا مثاله من احتاج إلى قلع شجرة فرآها قوية لا تنقلع إلا بمشقة شديدة فقال أؤخرها سنة ثم أعود إليها وهو يعلم أن الشجرة كلما بقيت ازداد رسوخها وهو كلما طال عمره ازداد ضعفه فلا حماقة فى الدنيا أعظم من حماقته إذ عجز مع قوته عن مقاومة ضعيف فأخذ ينتظر الغلبة عليه إذا ضعف هو فى نفسه وقوى الضعيف .
وأما المعنى الرابع وهو انتظار عفو الله تعالى فعلاجه ما سبق وهو كمن ينفق جميع أمواله ويترك نفسه وعياله فقراء منتظرا من فضل الله تعالى أن يرزقه العثور على كنز فى أرض خربة فإن إمكان العفو عن الذنب مثل هذا الإمكان وهو مثل من يتوقع النهب من الظلمة فى بلدة وترك ذخائر أمواله فى صحن داره وقدر على دفنها وإخفائها فلم يفعل وقال أنتظر من فضل الله تعالى أن يسلط غفلة أو عقوبة على الظالم الناهب حتى لا يتفرغ إلى دارى أو إذا انتهى إلى دارى مات على باب الدار فإن الموت ممكن والغفلة ممكنة وقد حكى فى الأسمار أن مثل ذلك وقع فأنا أنتظر من فضل الله مثله فمنتظر هذا منتظر أمر ممكن ولكنه فى غاية الحماقة والجهل إذ قد لا يمكن ولا يكون