عليك السلام عليك باليأس مما فى أيدي الناس فإن ذلك هو الغنى وإياك والطمع فإنه الفقر الحاضر وصل صلاة مودع وإياك وما يعتذر منه // حديث قال له آخر أوصنى قال عليك باليأس الحديث أخرجه ابن ماجه والحاكم وقد تقدم // وقال رجل لمحمد بن واسع أوصنى فقال أوصيك أن تكون ملكا فى الدنيا والآخرة قال وكيف لى بذلك قال الزم الزهد فى الدنيا فكأنه A توسم فى السائل الأول مخايل الغضب فنهاه عنه وفى السائل الآخر مخايل الطمع فى الناس وطول الأمل وتخيل محمد بن واسع فى السائل مخايل الحرص على الدنيا وقال رجل لمعاذ أوصنى فقال كن رحيما أكن لك بالجنة زعيما فكأنه تفرس فيه آثار الفظاظة والغلظة وقال رجل لإبراهيم بن أدهم أوصنى فقال إياك والناس وعليك بالناس ولا بد من الناس فان الناس هم الناس وليس كل الناس بالناس ذهب الناس وبقى النسناس وما أراهم بالناس بل غمسوا فى ماء الياس فكأنه تفرس فيه آفة المخالطة وأخبر عما كان هو الغالب على حاله فى وقته وكان الغالب أذاه بالناس والكلام على قدر حال السائل أولى من أن يكون بحسب حال القائل وكتب معاوية C إلى عائشة رضى الله عنها أن اكتبى لى كتابا توصينى فيه ولا تكثري فكتبت إليه من عائشة إلى معاوية سلام الله عليك أما بعد فإنى سمعت رسول الله Aيقول من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس ومن التمس سخط الله برضا الناس وكله الله إلى الناس // حديث عائشة من التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس الحديث أخرجه الترمذى والحاكم وفى مسند الترمذى من لم يسم // والسلام عليك فانظر إلى فقهها كيف تعرضت للآفة التى تكون الولاة بصددها وهى مراعاة الناس وطلب مرضاتهم وكتبت إليه مرة أخرى أما بعد فاتق الله فإنك إذا اتقيت الله كفاك الناس وإذا اتقيت الناس لم يغنوا عنك من الله شيئا والسلام .
فإذن على كل ناصح أن تكون عنايته مصروفة إلى تفرس الصفات الخفية وتوسم الأحوال اللائقة ليكون اشتغاله بالمهم فإن حكاية جميع مواعظ الشرع مع كل واحد غير ممكنة والاشتغال بوعظه بما هو مستغن عن التوعظ فيه تضييع زمان .
فإن قلت فإن كان الواعظ يتكلم فى جمع أو سأله من لا يدرى باطن حاله أن يعظه فكيف يفعل فاعلم أن طريقة فى ذلك أن يعظه بما يشترك كافة الخلق فى الحاجة إليه إما على العموم وإلا على الأكثر فإن فى علوم الشرع أغذية وأدوية فالأغذية للكافة والأدوية لأرباب العلل .
ومثاله ما روى أن رجلا قال لأبى سعيد الخدرى أوصنى قال عليك بتقوى الله D فإنها رأس كل خير وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام وعليك بالقرآن فإنه نور لك فى أهل الأرض وذكر لك فى أهل السماء وعليك بالصمت إلا من خير فإنك بذلك تغلب الشيطان وقال رجل للحسن أوصنى فقال أعز أمر الله يعزك الله وقال لقمان لابنه يا بنى زاحم العلماء بركبتيك ولا تجادلهم فيمقتوك وخذ من الدنيا بلاغك وأنفق فضول كسبك لآخرتك ولا ترفض الدنيا كل الرفض فتكون عيالا وعلى أعناق الرجال كلا وصم صوما يكسر شهوتك ولا تصم صوما يضر بصلاتك فإن الصلاة أفضل من الصوم ولا تجالس السفيه ولا تخالط ذا الوجهين وقال أيضا لابنه يا بنى لا تضحك من غير عجب ولا تمش فى غير أرب ولا تسأل عما لا يعنيك ولا تضيع مالك وتصلح مال غيرك فإن مالك ما قدمت ومال غيرك ما تركت يا بنى إن من يرحم يرحم ومن يصمت يسلم ومن يقل الخير يغنم ومن يقل الشر يأثم ومن لا يملك لسانه يندم وقال رجل لأبى حازم أوصنى فقال كل ما لو جاءك الموت عليه فرأيته غنيمة