وجمع الحطام من الحرام ويكون هو السبب في جميع ذلك فحركات العلماء في طورى الزيادة والنقصان تتضاعف آثارها أما بالربح وإما بالخسران وهذا القدر كاف فى تفاصيل الذنوب التى التوبة توبة عنها الركن الثالث في تمام التوبة وشروطها ودوامها إلى آخر العمر .
قد ذكرنا ان التوبة عبارة عن ندم يورث عزما وقصدا وذلك الندم أورثه العلم بكون المعاصى حائلا بينه وبين محبوبه ولكل واحد من العلم والندم والعزم دوام وتمام ولتمامها علامة ولدوامها شرط فلا بد من بيانها أما العلم فالنظر فيه نظر في سبب التوبة وسيأتى وأما الندم فهو توجع القلب عند شعوره بفوات المحبوب وعلامته طول الحسرة والحزن وانسكاب الدمع وطول البكاء والفكر فمن استشعر عقوبة نازلة بولده أو ببعض أعزته طال عليه مصيبته وبكاؤه وأى عزيز أعز عليه من نفسه وأى عقوبة أشد من النار وأى شيء أدل على نزول العقوبة من المعاصى وأى مخبر أصدق من الله ورسوله ولو حدثه انسان واحد يسمى طبيبا أن مرض ولده المريض لا يبرأ وأنه سيموت منه لطال في الحال حزنه فليس ولده بأعز من نفسه ولا الطبيب بأعلم ولا أصدق من الله ورسوله ولا الموت بأشد من النار ولا المرض بأدل على الموت من المعاصى على سخط الله تعالى والتعرض بها للنار فألم الندم كلما كان أشد كان تكفير الذنوب به أرجى فعلامة صحة الندم رقة القلب وغزارة الدمع وفى الخبر جالسوا التوابين فانهم أرق أفئدة // حديث جالسوا التوابين فإنهم أرق أفئدة لم أجده مرفوعا وهو من قول عون بن عبد الله رواه ابن أبى الدنيا في التوبة قال جالسوا التوابين فإن C الى النادم أقرب وقال أيضا فالموعظة إلى قلوبهم أسرع وهم إلى الرقة أقرب وقال أيضا التائب أسرع دمعا وأرق قلبا // ومن علامته أن تتمكن مرارة تلك الذنوب في قلبه بدلا عن حلاوتها فيستبدل بالميل كراهية وبالرغبة نفرة وفي الاسرائيليات إن الله سبحانه وتعالى قال لبعض أنبيائه وقد سأله قبول توبة عبد بعد أن اجتهد سنين قي العبادة ولم ير قبول توبته فقال وعزتى وجلالى لو شفع فيه أهل السموات والأرض ما قبلت توبته وحلاوة ذلك الذنب الذى تاب منه في قلبه .
فإن قلت فالذنوب هى أعمال مشتهاة بالطبع فكيف يجد مرارتها فأقول من تناول عسلا كان فيه سم ولم يدركه بالذوق واستلذه ثم مرض وطال مرضه وألمه وتناثر شعره وفلجت أعضاؤه فإذا قدم إليه عسل فيه مثل ذلك السم وهو فى غاية الجوع والشهوة للحلاوة فهل تنفر نفسه عن ذلك العسل أم لا فإن قلت لا فهو جحد للمشاهدة والضرورة بل ربما تنفر عن العسل الذى ليس فيه سم أيضا لشبهه به فوجدان التائب مرارة الذنب كذلك يكون وذلك لعلمه بأن كل ذنب فذوقه ذوق العسل وعمله عمل السم ولا تصح التوبة ولا تصدق إلا بمثل هذا الإيمان ولم عز مثل هذا الإيمان عزت التوبة والتائبون فلا ترى إلا معرضا عن الله تعالى متهاونا بالذنوب مصرا عليها فهذا شرط تمام الندم وينبغى ان يدوم الى الموت وينبغى أن يجد هذه المرارة فى جميع الذنوب وإن لم يكن قد ارتكبها من قبل كما يجد متناول السم في العسل النفره من الماء البارد مهما علم أن فيه مثل ذلك السم إذ لم يكن ضرره من العسل بل مما فيه ولم يكن ضرر التائب من سرقته وزناه من حيث أنه سرقة وزنا بل من حيث انه من مخالفة أمر الله تعالى وذلك جار في كل ذنب وأما القصد الذى ينبعث منه هو أرادة التدارك فله تعلق بالحال وهو يوجب ترك كل محظور هو ملابس له وأداء كل فرض وهو متوجه عليه في الحال وله تعلق بالماضى وهو تدارك ما فرط وبالمستقبل وهو دوام الطاعة ودوام ترك المعصية الى الموت .
وشرط صحتها فيما يتعلق بالماضى أن يرد فكره إلى أول يوم بلغ فيه بالسن أو الاحتلام ويفتش عما مضى من