ليوقف بين يدي الله تعالى وله من الحسنات أمثال الجبال لو سلمت له لكان من أهل الجنة فيقوم أصحاب المظالم فيكون قد سب عرض هذا وأخذ مال هذا وضرب هذا فيقضى من حسناته حتى لا تبقى له حسنة فتقول الملائكة يا ربنا هذا قد فنيت حسناته وبقى طالبون كثير فيقول الله تعالى ألقوا من سيئاتهم على سيئاته وصكوا له صكا إلى النار وكما يهلك هو بسيئة غيره بطريق القصاص فكذلك ينجو المظلوم بحسنة الظالم إذ ينقل إليه عوضا عما ظلم به وقد حكى عن ابن الجلاء أن بعض إخوانه اغتابه ثم أرسل إليه يستحله فقال لا أفعل ليس في صحيفتي حسنة أفضل منها فكيف أمحوها وقال هو وغيره ذنوب إخوانى من حسناتى أريد أن أزين بها صحيفتي فهذا ما أردنا أن نذكره من اختلاف العباد فى المعاد في درجات السعادة والشقاوة وكل ذلك حكم بظاهر أسباب يضاهى حكم الطبيب على مريض بأنه يموت لا محالة ولا يقبل العلاج وعلى مريض آخر بأن عارضة خفيف وعلاجه هين فإن ذلك ظن يصيب في أكثر الأحوال ولكن قد تثوب إلى المشرف على الهلاك نفسه من حيث لا يشعر الطبيب وقد يساق إلى ذى العارض الخفيف أجله من حيث لا يطلع عليه وذلك من أسرار الله تعالى الخفية في أرواح الأحياء وغموض الأسباب التى رتبها مسبب الأسباب بقدر معلوم إذ ليس في قوة البشر الوقوف على كنهها فكذلك النجاة والفوز في الآخرة لهما أسباب خفية ليس في قوة البشر الاطلاع عليها يعبر عن ذلك السبب الخفى المفضى إلى النجاة بالعفو والرضا عما يفضى إلى الهلاك بالغضب والانتقام ووراء ذلك سر المشيئة الإلهية الأزلية التى لا يطلع الخلق عليها فلذلك يجب علينا أن نجوز العفو عن المعاصى وإن كثرت سيئاته الظاهرة والغضب على المطيع وإن كثرت طاعاته الظاهرة فإن الاعتماد على التقوى والتقوى في القلب وهو اغمض من أن يطلع عليه صاحبه فكيف غيره ولكن قد انكشف لأرباب القلوب أنه لا عفو عن عبد الا بسبب خفى فيه يقتضى العفو ولا غضب إلا بسبب باطن يقتضى البعد عن الله تعالى ولو لا ذلك لم يكن العفو والغضب جزاء على الأعمال والأوصاف ولو لم يكن جزاء لم يكن عدلا ولو لم يكن عدلا لم يصح قوله تعالى وما ربك بظلام للعبيد ولا قوله تعالى إن الله لا يظلم مثقال ذرة وكل ذلك صحيح فليس للإنسان إلا ما سعى وسعيه هو الذى يرى وكل نفس بما كسبت رهينة فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ولما غيروا ما بأنفسهم غير الله ما بهم تحقيقا لقوله تعالى إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وهذا كله قد انكشف لأرباب القلوب انكشافا أوضح من المشاهدة بالبصر إذ للبصر يمكن الغلط فيه إذ قد يرى البعيد قريبا والكبير صغيرا ومشاهدة القلب لا يمكن الغلط فيها وإنما الشأن في انفتاح بصيرة القلب وإلا فما يرى بها بعد الانفتاح فلا يتصور فيه الكذب وإليه الإشارة بقوله تعالى ما كذب الفؤاد ما رأى .
الرتبة الثالثة رتبة الناجين وأعنى بالنجاة السلامة فقط دون السعادة والفوز وهم قوم لم يخدموا فيخلع عليهم ولم يقصروا فيعذبوا ويشبه أن يكون هذا حال المجانين والصبيان من الكفار والمعتوهين والذين لم تبلغهم الدعوة في أطراف البلاد وعاشوا على البله وعدم المعرفة فلم يكن لهم معرفة ولا جحود ولا طاعة ولا معصية فلا وسيلة تقربهم ولا جناية تبعدهم فما هم من أهل الجنة ولا من أهل النار بل ينزلون في منزلة بين المنزلتين ومقام بين المقامين عبر الشرع عنه بالأعراف وحلول طائفة من الخلق // حديث حلول طائفة من الخلق الأعراف أخرجه البزار من حديث أبى سعيد الخدري سئل رسول الله A عن أصحاب الأعراف فقال هم رجال قتلوا في سبيل الله وهم عصاة لآبائهم فمنعتهم الشهادة أن يدخلوا النار ومنعتهم المعصيبة أن يدخلوا الجنة وهم على سور بين الجنة والنار الحديث وفيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف ورواه الطبرانى من رواية // فيه معلوم يقينا من الآيات والأخبار ومن