عن الابتلاء بالجاحدين ولا تخلو الأولياء والعلماء عن الابتلاء بالجاهلين ولذلك قلما ينفك الاولياء عن ضروب من الإيذاء وأنواع البلاء بالإخراج من البلاد والسعاية بهم الى السلاطين والشهادة عليهم بالكفر والخروج عن الدين وواجب أن يكون أهل المعرفة عند أهل الجهل من الكافرين كما يجب ان يكون المعتاض عن الجمل الكبير جوهرة صغيرة عند الجاهلين من المبذرين المضيعين فإذا عرفت هذه الدقائق فآمن بقوله E إنه يعطى آخر من يخرج من النار مثل الدنيا عشر مرات وإياك أن تقتصر بتصديقك على ما يدركه البصر والحواس فقط فتكون حمارا برجلين لأن الحمار يشاركك في الحواس الخمس وإنما أنت مفارق للحمار بسر إلهى عرض على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنه وأشفقن منه فإدراك ما يخرج عن عالم الحواس الخمس لا يصادف إلا في عالم ذلك السر الذى فارقت به الحمار وسائر البهائم فمن ذهل عن ذلك وعطله وأهمله وقنع بدرجة البهائم ولم يجاوز المحسوسات فهو الذى أهلك نفسه بتعطيلها ونسيها بالإعراض عنها فلا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم فكل من لم يعرف إلا المدرك بالحواس فقد نسى الله إذ ليس ذات الله مدركا في هذا العالم بالحواس الخمس وكل من نسى الله أنساه الله لا محالة نفسه ونزل إلى رتبة البهائم وترك الترقى إلى الأفق الأعلى وخان في الأمانة التى أودعه الله تعالى وأنعم عليه كافرا لأنعمه ومتعرضا لنقمته إلا انه أسوأ حالا من البهيمة فإن البهيمة تتخلص بالموت وأما هذا فعنده أمانة سترجع لا محالة إلى مودعها فإليه مرجع الأمانة ومصيرها وتلك الأمانة كالشمس الزاهرة وإنما هبطت إلى هذه القالب الفانى وغربت فيه وستطلع هذه الشمس عند خراب هذا القالب من مغربها وتعود إلى بارئها وخالقها إما مظلمة منكسفة وإما زاهرة مشرقة والزاهرة المشرقة غير محجوبة عن حضرة الربوبية والمظلمة أيضا راجعة إلى الحضرة إذ المرجع والمصير للكل إليه إلا أنها ناكسة رأسها عن جهة أعلى عليين إلى جهة أسفل سافلين ولذلك قال تعالى ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم فبين أنهم عند ربهم إلا أنهم منكوسون قد انقلبت وجوههم إلى أقفيتهم وانتكست رءوسهم عن جهة فوق إلى جهة أسفل وذلك حكم الله فيمن حرمه توفيقه ولم يهده طريقه فنعوذ بالله من الضلال والنزول إلى منازل الجهال فهذا حكم انقسام من يخرج من النار ويعطى مثل عشرة أمثال الدنيا أو أكثر ولا يخرج من النار إلا موحد ولست أعنى بالتوحيد أن يقول بلسانه لا إله إلا الله فإن اللسان من عالم الملك والشهادة فلا ينفع إلا في عالم الملك فيدفع السيف عن رقبته وأيدي الغانمين عن ماله ومدة الرقبة والمال مدة الحياة فحيث لا تبقى رقبة ولا مال لا ينفع القول باللسان وإنما ينفع الصدق فى التوحيد وكمال التوحيد أن لا يرى الأمور كلها إلا من الله وعلامته أن لا يغضب على أحد من الخلق بما يجرى عليه إذ لا يرى الوسائط وإنما يرى مسبب الأسباب كما سيأتى تحقيقه فى التوكل وهذا التوحيد متفاوت فمن الناس من له من التوحيد مثل الجبال ومنهم من له مثقال ومنهم من له مقدار خردلة وذرة فمن في قلبه مثقال دينار من إيمان فهو أول من يخرج من النار وفي الخبر يقال أخرجوا من النار من في قلبه مثقال دينار من إيمان // حديث اخرجوا من النار من في قلبه مثقال دينار من إيمان الحديث تقدم // وآخر من يخرج من في قلبه مثقال ذرة من إيمان وما بين المثقال والذرة على قدر تفاوت درجاتهم يخرجون بين طبقة المثقال وبين طبقة الذرة والموازنة بالمثقال والذرة على سبيل ضرب المثل كما ذكرنا في الموازنة بين أعيان الأموال وبين النقود وأكثر ما يدخل الموحدين النار مظالم العباد فديوان العباد هو الديوان الذى لا يترك فأما بقية السيئات فيتسارع العفو والتكفير إليها ففى الأثر إن العبد