فقد هلكت هلاكا فاحشا فإن كنت لا تبكى على هذه المعصية فذلك لجهلك ومصيبتك بجهلك أعظم من كل مصيبة لكن الجهل مصيبة لا يعرف المصاب بها أنه صاحب مصيبة فإن نوم الغفلة يحول بينه وبين معرفته والناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا فعند ذلك ينكشف لكل مفلس إفلاسه ولكل مصاب مصيبته وقد رفع الناس عن التدارك .
قال بعض العارفين إن ملك الموت عليه السلام إذا ظهر للعبد أعلمه أنه بقى من عمرك ساعة وإنك لا تستأخر عنها طرفة عين فيبدو للعبد من الأسف والحسرة ما لو كانت له الدنيا بحذافيرها لخرج منها على أن يضم إلى تلك الساعة ساعة أخرى ليستعتب فيها ويتدارك تفريطه فلا يجد إليه سبيلا وهو أول ما يظهر من معانى قوله تعالى وحيل بينهم وبين ما يشتهون وإليه الإشارة بقوله تعالى من قبل أن يأتى أحدكم الموت فيقول رب لو لا أخرتنى إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها فقيل الأجل القريب الذي يطلبه معناه أنه يقول عند كشف الغطاء للعبد يا ملك الموت أخرنى يوما أعتذر فيه إلى ربى وأتوب وأتزود صالحا لنفسى فيقول فنيت الأيام فلا يوم فيقول فأخرنى ساعة فيقول فنيت الساعات فلا ساعة فيغلق عليه باب التوبة فيتغرغر بروحه وتتردد أنفاسه في شراسفه ويتجرع غصة اليأس عن التدارك وحسرة الندامة على تضييع العمر فيضطرب أصل إيمانه في صدمات تلك الأحوال فإذا زهقت نفسه فإن كان سبقت له من الله الحسنى خرجت روحه على التوحيد فذلك حسن الخاتمة وإن سبق له القضاء بالشقوة والعياذ بالله خرجت روحه على الشك والاضطراب وذلك سوء الخاتمة ولمثل هذا يقال وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنى تبت الآن وقوله إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب ومعناه عن قرب عهد بالخطيئة بأن يتندم عليها ويمحو أثرها بحسنة يردفها بها قبل أن يتراكم الرين على القلب فلا يقبل المحو ولذلك قال A أتبع السيئة الحسنة تمحها ولذلك قال لقمان لابنه يا بنى لا تؤخر التوبة فإن الموت يأتى بغته ومن ترك المبادرة إلى التوبة بالتسويف كان بين خطرين عظيمين أحدهما أن تتراكم الظلمة على قلبه من المعاصى حتى يصير رينا وطبعا فلا يقبل المحو الثاني أن يعاجله المرض أو الموت فلا يجد مهلة للاشتغال بالمحو ولذلك ورد في الخبر أن أكثر صياح أهل النار من التسويف // حديث إن أكثر صياح أهل النار من التسويف لم أجد له أصلا // فما هلك من هلك إلا بالتسويف فيكون تسويده القلب نقدا وجلاؤه بالطاعة نسيئة إلى أن يختطفه الموت فيأتى الله بقلب غير سليم ولا ينجو إلا من أتى الله بقلب سليم فالقلب أمانة الله تعالى عند عبده والعمر أمانة الله عنده وكذا سائر أسباب الطاعة فمن خان في الأمانة ولم يتدارك خيانته فأمره مخطر .
قال بعض العارفين إن لله تعالى إلى عبده سرين يسرهما إليه على سبيل الإلهام أحدهما إذا خرج من بطن أمه يقول له عبدي قد أخرجتك إلى الدنيا طاهرا نظيفا واستودعتك عمرك وائتمنتك عليه فانظر كيف تحفظ الأمانة وانظر إلى كيف تلقانى والثانى عند خروج روحه يقول عبدى ماذا صنعت في أمانتى عندك هل حفظتها حتى تلقانى على العهد فألقاك على الوفاء أو أضعتها فألقاك بالمطالبة والعقاب وإليه الإشارة بقوله تعالى أوفوا بعهدى أوف بعهدكم وبقوله تعالى والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون