والحراثة والخبز يستغرق جميع العمر من كل واحد فيما يحتاج إليه فجميع هذه الدرجات ليست بواجبة بهذا الاعتبار والواجب الثاني هو الذي لا بد منه للوصول به إلى القرب المطلوب من رب العالمين والمقام المحمود بين الصديقين والتوبة عن جميع ما ذكرناه واجبه في الوصول إليه كما يقال الطهارة واجبة في الصلاة للتطوع أى لمن يريدها فإنه لا يتوصل إليه إلا بها فأما من رضى بالنقصان والحرمان عن فضل صلاة التطوع فالطهارة ليست واجبه عليه لأجلها كما يقال العين والأذن واليد والرجل شرط في وجود الإنسان يعنى أنه شرط لمن يريد أن يكون إنسانا كاملا ينتفع بإنسانيته ويتوصل بها إلى درجات العلا في الدنيا فأما من قنع بأصل الحياة ورضى أن يكون كلحم على وضم وكخرقة مطروحة فليس يشترط لمثل هذه الحياة عين ويد ورجل فأصل الواجبات الداخلة في فتوى العامة لا يوصل إلا إلى أصل النجاة وأصل النجاة كأصل الحياة وما وراء أصل النجاة من السعادات التى بها تنتهى الحياة يجرى مجرى الاعضاء والآلات التى بها تتهيأ الحياة وفيه سعى الأنبياء والأولياء والعلماء والأمثل فالأمثل وعليه كان حرصهم وحواليه كان تطوافهم ولأجله كان رفضهم لملاذ الدنيا بالكلية حتى انتهى عيسى عليه السلام إلى أن توسد حجرا في منامه فجاء إليه الشيطان وقال أما كنت تركت الدنيا للآخرة فقال نعم وما الذى حدث فقال توسدك لهذا الحجر تنعم في الدنيا فلم لا تضع رأسك على الأرض فرمى عيسى عليه السلام بالحجر ووضع رأسه على الأرض وكان رميه للحجر توبة عن ذلك التنعم أفترى أن عيسى عليه السلام لم يعلم أن وضع الرأس على الأرض لا يسمى واجبا في فتاوى العامة أفترى أن نبينا محمدا A لما شغله الثوب الذي كان عليه علم فى صلاته حتى نزعه // حديث نزعه A الثوب الذي كان عليه في الصلاة تقدم في الصلاة أيضا // وشغله شراك نعله الذي جدده حتى أعاد الشراك الخلق // حديث نزعه الشراك الجديد وإعادة الشراك الخلق تقدم في الصلاة أيضا // لم يعلم أن ذلك ليس واجبا في شرعة الذى شرعه لكافة عباده فإذا علم ذلك فلم تاب عنه بتركه وهل كان ذلك إلا لأنه رآه مؤثرا في قلبه أثرا يمنعه عن بلوغ المقام المحمود الذي قد وعد به أفترى أن الصديق رضى الله عنه بعد أن شرب اللبن وعلم أنه على غير وجه أدخل أصبعه في حلقه ليخرجه حتى كاد يخرج معه روحه ما علم من الفقه هذا القدر وهو أن ما أكله عن جهل فهو غير آثم به ولا يجب في فتوى الفقه إخراجه فلم تاب عن شرابه بالتدارك على حسب إمكانه بتخليه المعدة عنه وهل كان ذلك إلا لسر وقر في صدره عرفه ذلك السر أن فتوى العامة حديث آخر وأن خطر طريق الآخرة لا يعرفه إلا الصديقون فتأمل أحوال هؤلاء الذين هم أعرف خلق الله بالله وبطريق الله وبمكر الله وبمكامن الغرور بالله وإياك مرة واحدة أن تغرك الحياة الدنيا وإياك ثم إياك ألف ألف مرة أن يغرك بالله الغرور فهذه أسرار من استنشق مبادىء روائحها علم أن لزوم التوبة النصوح ملازم للعبد السالك في طريق الله تعالى في كل نفس من أنفاسه ولو عمر عمر نوح وأن ذلك واجب على الفور من غير مهلة ولقد صدق أبو سليمان الدارانى حيث قال لو لم يبك العاقل فيما بقى من عمره إلا على تفويت ما مضى منه فى غير الطاعة لكان خليقا أن يحزنه ذلك إلى الممات فكيف من يستقبل ما بقي من عمره بمثل ما مضى من جهله وإنما قال هذا لأن العاقل إذا ملك جوهرة نفيسة وضاعت منه بغير فائدة بكى عليها لا محالة وإن ضاعت منه وصار ضياعها سبب هلاكه كان بكاؤه منها أشد وكل ساعة من العمر بل كل نفس جوهرة نفيسة لا خلف لها ولا بدل منها فإنها صالحة لأن توصلك إلى سعادة الأبد وتنقذك من شقاوة الأبد وأى جواهر أنفس من هذا فإذا ضيعتها في الغفلة فقد خسرت خسرانا مبينا وإن صرفتها إلى معصية