لا يفيد فيكف يخسر في الحال عملا نقدا على توهم علم وذلك غير جائز بل ينبغي أن يتعلم لله ويعبد الله ويخدم المعلم لله لا ليكون له في قلبه منزلة إن كان يريد أن يكون تعلمه طاعة فإن العباد أمروا أن لا يعبدوا إلا الله ولا يريدوا بطاعتهم غيره .
وكذلك من يخدم أبويه لا ينبغي أن يخدمهما لطلب المنزلة عندهما إلا من حيث إن رضا الله عنه في رضا الوالدين ولا يجوز له أن يرائي بطاعته لينال بها منزلة عند الوالدين فإن ذلك معصية في الحال وسيكشف الله عن ريائه وتسقط منزلته من قلوب الوالدين أيضا .
وأما الزاهد المعتزل عن الناس فينبغي له أن يلزم قلبه ذكر الله والقناعة بعلمه ولا يخطر بقلبه معرفة الناس زهده واستعظامهم محله فإن ذلك يغرس الرياء في صدره حتى تتيسر عليه العبادات في خلوته به وإنما سكوته لمعرفة الله باعتزاله واستعظامهم لمحله وهو لا يدري أنه المخفف للعمل عليه .
قال إبراهيم بن أدهم C تعلمت المعرفة من راهب يقال له سمعان دخلت عليه في صومعته فقلت يا سمعان منذ كم أنت في صومعتك قال منذ سبعين سنة قلت .
فما طعامك قال يا حنيفي وما دعاك إلى هذا قلت أحببت أن أعلم قال في كل ليلة حمصة قلت فما الذي يهيج من قلبك حتى تكفيك هذه الحمصة قال ترى الدير الذي بحذائك قلت نعم قال إنهم يأتوني في كل سنة يوما واحدا فيزينون صومعتي ويطوفون حولها ويعظموني فكلما تثاقلت نفسي عن العبادة ذكرتها عز تلك الساعة فأنا احتمل جهد سنة لعز ساعة فاحتمل يا حنيفي جهد ساعة لعز الأبد فوقر في قلبي المعرفة فقال حسبك أو أزيدك قلت بلى قال أنزل عن الصومعة فنزلت فأدلى لي ركوة فيها عشرون حمصة فقال لي ادخل الدير فقد رأوا ما أدليت إليك فلما دخلت الدير اجتمع علي النصارى فقالوا يا حنيفي ما الذي أدلى إليك الشيخ قلت من قوته قالوا فما تصنع به ونحن أحق به ثم قالوا ساوم قلت عشرون دينارا فأعطوني عشرين دينارا فرجعت إلى الشيخ فقال يا حنيفي ما الذي صنعت قلت بعته منهم قال بكم قلت بعشرين دينارا قال أخطأت لو ساومتهم بعشرين ألف دينار لأعطوك هذا عز من لا تعبده فانظر كيف يكون عز من تعبده يا حنيفي أقبل على ربك ودع الذهاب والجيئة .
والمقصود أن استشعار النفس عز العظمة في القلوب يكون باعثا في الخلوة وقد لا يشعر العبد به فينبغي أن يلزم نفسه الحذر منه وعلامة سلامته أن يكون الخلق عنده والبهائم بمثابة واحدة فلو تغيروا عن اعتقادهم له لم يجزع ولم يضق به ذرعا إلا كراهة ضعيفة أن وجدها في قلبه فيردها في الحال بعقله وإيمانه فإنه لو كان في عبادة واطلع الناس كلهم عليه لم يزده ذلك خشوعا ولم يداخله سرور بسبب اطلاعهم عليه فإن دخل سرور يسير فهو دليل ضعفه ولكن إذا قدر على رده بكراهة العقل والإيمان وبادر إلى ذلك ولم يقبل ذلك السرور بالركون إليه فيرجى له أن لا يخيب سعيه إلا أن يزيد عند مشاهدتهم في الخشوع والانقباض كي لا ينبسطوا إليه فذلك لا بأس به ولكن فيه غرور إذ النفس قد تكون شهوتها الخفية إظهار الخشوع وتتعلل بطلب الانقباض فيطالبها في دعواها قصد الانقباض بموثق من الله غليظ وهو أنه لو علم أن انقباضهم عنه إنما حصل بأن يعدوا كثيرا أو يضحك كثيرا أو يأكل كثيرا فتسمح نفسه بذلك فإذا لم تسمح وسمحت بالعبادة فيشبه أن يكون مرادها المنزلة عندهم ولا ينجو من ذلك إلا من تقرر في قلبه أنه ليس في الوجود أحد سوى الله فيعمل عمل من لو كان على وجه الأرض وحده لكان يعمله فلا يلتفت قلبه إلى الخلق إلا خطرات ضعيفة لا يشق عليه إزالتها فإذا كان كذلك لم يتغير بمشاهدة الخلق .
ومن علامة الصدق فيه أنه لو كان له صاحبان أحدهما غني والآخر فقير فلا يجد عند إقبال الغني زيادة هزة