الثاني أنه قد علم أن الله تعالى يكره ظهور المعاصي ويحب سترها كما قال A من ارتكب شيئا من هذه القاذورات فليستتر بستر الله // حديث من ارتكب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله أخرجه الحاكم في المستدرك وقد تقدم .
فهو وإن عصى الله بالذنب فلم يخل قلبه عن محبة ما أحبه الله .
وهذا ينشأ من قوة الإيمان بكراهة الله لظهور المعاصي وأثر الصدق فيه أن يكره ظهور الذنب من غيره أيضا ويغتم بسببه .
الثالث أن يكره ذم الناس له به من حيث إن ذلك يغمه ويشغل قلبه وعقله عن طاعة الله تعالى فإن الطبع يتأذى بالذم وينازع العقل ويشغل عن الطاعة وبهذه العلة أيضا ينبغي أن يكره الحمد الذي يشغله عن ذكر الله تعالى ويستغرق قلبه ويصرفه عن الذكر .
وهذا أيضا من قوة الإيمان إذ صدق الرغبة في فراغ القلب لأجل الطاعة من الإيمان .
الرابع أن يكون ستره ورغبته فيه لكراهته لذم الناس من حيث يتأذى طبعه فإن الذم مؤلم للقلب كما أن الضرب مؤلم للبدن وخوف تألم القلب بالذم ليس بحرام ولا الإنسان به عاص وإنما يعصي إذا جزعت نفسه من ذم الناس ودعته إلى ما لا يجوز حذرا من ذمهم وليس يجب على الإنسان أن لا يغتم بذم الخلق ولا يتألم به .
نعم كمال الصدق في أن تزول عنه رؤيته للخلق فيستوي عنده ذامه ومادحه لعلمه أن الضار والنافع هو الله وأن العباد كلهم عاجزون وذلك قليل جدا وأكثر الطباع تتألم بالذم لما فيه من الشعور بالنقصان ورب تألم بالذم محمود إذا كان الذام من أهل البصيرة في الدين فإنهم شهداء الله وذمهم يدل على ذم الله تعالى وعلى نقصان في الدين فكيف لا يغتم به نعم الغم المذموم هو أن يغتم لفوات الحمد بالورع كأنه يحب أن يحمد بالورع ولا يجوز أن يحب أن يحمد بطاعة الله فيكون قد طلب بطاعة الله ثوابا من غيره فإن وجد ذلك في نفسه وجب عليه أن يقابله بالكراهة والرد .
وأما كراهة الذم بالمعصية من حيث الطبع فليس بمذموم فله الستر حذرا من ذلك ويتصور أن يكون العبد بحيث لا يحب الحمد ولكن يكره الذم .
وإنما مراده أن يتركه الناس حمدا وذما فكم من صابر عن لذة الحمد لا يصبر على ألم الذم إذ الحمد بطلب اللذة وعدم اللذة لا يؤلم وأما الذم فإنه مؤلم فحب الحمد على الطاعة طلب ثواب على الطاعة في الحال وأما كراهة الذم على المعصية فلا محذور فيه إلا أمر واحد وهو أن يشغله غمه باطلاع الناس على ذنبه عن اطلاع الله فإن ذلك غاية النقصان في الدين بل ينبغي أن يكون غمه باطلاع الله وذمه له أكثر .
الخامس أن يكره الذم من حيث إن الذام قد عصى الله تعالى به وهذا من الإيمان وعلامته أن يكره ذمه لغيره أيضا فهذا التوجع لا يفرق بينه وبين غيره بخلاف التوجع من جهة الطبع .
السادس أن يستر ذلك كيلا يقصد بشر إذا عرف ذنبه وهذا وراء ألم الذم فإن الذم مؤلم من حيث يشعر القلب بنقصانه وخسته وإن كان ممن يؤمن شره وقد يخاف شر من يطلع على ذنبه بسبب من الأسباب فله أن يستر ذلك حذرا منه .
السابع مجرد الحياء فإنه نوع ألم وراء ألم الذم والقصد بالشر وهو خلق كريم يحدث في أول الصبا مهما أشرق عليه نور العقل فيستحي من القبائح إذا شوهدت وهو منه وصف محمود إذ قال رسول الله A الحياء خير كله // حديث الحياء خير كله أخرجه مسلم من حديث عمران بن حصين وقد تقدم .
وقالA الحياء شعبة من الإيمان // حديث الحياء شعبة من الإيمان متفق عليه من حديث أبي هريرة وقد تقدم .
وقال A الحياء لا يأتي إلا بخير // حديث الحياء لا يأتي إلا بخير متفق عليه من حديث عمران بن حصين وقد تقدم .
وقال A إن الله يحب الحيى الحليم // حديث إن الله يحب الحيى الحليم أخرجه الطبراني من حديث فاطمة وللبزار من حديث أبي هريرة إن الله يحب الغني الحليم المتعفف وفيه ليث بن أبي سليم مختلف فيه .
فالذي يفسق ولا يبالي أن يظهر فسقه